للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب عدم طلبهم للرقية]

أولاً: لقوة اعتمادهم على الله عز وجل لا يطلبون من أحد رقية؛ لأنهم يعتمدون على الله اعتماداً تاماً.

ثانياً: لعزة نفوسهم عن التذلل لغير الله، لا يريدون أن يذلوا أنفسهم لغير الله ويلجئوا إلى بشر، لا يريدون أن يذلوا أنفسهم عند بشر، ويقفوا طوابير عند هؤلاء الشيوخ في العيادات والمساجد، لا يريدون أن يقفوا طوابير في الرقية ولا يأتي ويتوسل إليه ويطلبون منه الرقية، فلا يريدون إذلال النفس.

ثالثاً: لا يريدون أن يفتحوا على أنفسهم أي باب تعلق بغير الله؛ لأنك تجد في الواقع عدداً من الذين يذهبون لبعض القراء والراقين يتعلقون بهم، ويظن أن الشيخ هذا أو الراقي ينفع بنفسه أو بذاته أو بكلامه، مع أن النفع من الله وهذا سبب، فلا يريدون أن يكون عندهم أي تعلق بغير الله، فيستغنون عن كل الراقين وكل القراء، ولا يطلبون من أحد رقية، (لا يسترقون)، أي: لا يطلبون من أحد الرقية ألبتة.

وهناك فرق بين من سأل وطلب، وبين من رقى غيره.

وبعضهم حاول أن يحمل اللفظة التي في مسلم على أشياء، قال: لا تكون رقى شركية، لكن هذا الحمل فاسد؛ لأننا إذا قلنا بهذا فما هي الميزة فيها؟ لأن كل المؤمنين أصلاً يجب ألا يأخذوا الرقية الشركية، فلو قلنا: لا يرقون رقية شركية؛ فلن يكون هناك ميزة للسبعين ألفاً.

إذاً: الراجح قوله: (لا يسترقون) والإنسان الذي لا يسترقي تام التوكل، ويلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُحِر ما طلب من أحد من البشر رقية، وإنما نزل جبريل فرقاه بأمر من الله تعالى: (بسم الله أرقيك من كل أذى يؤذيك)، ونفهم من هذا -أيضاً- أن الرقية في حد ذاتها ليست ممنوعة، وليس ممنوعاً أن الشخص يرقي ولا يسترقي، لا بأس أن يسترقي إذا كانت عقيدته صحيحة، وأن الرقية إذا كانت مشروعة فلا شيء فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اعرضوا علي رقاكم، ولا بأس بالرقى ما لم يكن شركاً)، فإذا كان هناك شيء عن الرقية فهو لأجل الشرك، ولا بأس بها ما لم يكن شركاً.

إذاً: طلب الرقية فيه نزول عن مرتبة الكمال في التوكل، وهؤلاء السبعون ألفاً في المنزلة العالية ولا يناسب أن يكون من صفاتهم أنهم يطلبون رقى من الناس، ولو كانت مباحة.

وقيل في هؤلاء أيضاً: إنهم مقصودون بقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:١٠ - ١١]، لكن قد وردت أحاديث تفيد أن هؤلاء السبعين ألفاً يدخلون بعد غيرهم، منها: حديث رواه الإمام أحمد وابن خزيمة وابن حبان من حديث دفاع الجهني، قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث وفيه: (وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً من غير حساب، وإني لأرجو ألا يدخلوها حتى تبوءوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة) إذاً: لا يلزم أن يكون هؤلاء السبعون ألفاً أفضل من غيرهم، يمكن أن يكون هناك غيرهم أفضل منهم، لكنهم يدخلون الجنة من غير حساب ولا عقاب، وقد يكون فيمن يحاسب أفضل من هؤلاء السبعين ألفاً من جهة الدرجة في الجنة، لكن هؤلاء لا يحاسبون.