وكرم الشيخ مع أهل حلقته كان من مزايا علماء السلف رحمهم الله، قال المزني: ما رأيت رجلاً أكرم من الشافعي، خرجت معه ليلة عيدٍ من المسجد وأنا أذاكره في مسألة حتى أتيت باب داره، فأتاه غلامٌ بكيس، فقال: مولاي يقرئك السلام، ويقول لك: خذ هذا الكيس، فأخذه منه وأدخله في كمه فأتاه رجلٌ من الحلقة من الطلاب، فقال: يا أبا عبد الله ولدت امرأتي الساعة ولا شيء عندي (نفقة الحلاق، وأجرة المولدة، والعقيقة، ونحو ذلك) فدفع إليه الكيس وصعد وليس معه شيء.
وكان من عادتهم الإنفاق على الطلاب المحتاجين، وخصوصاً من طلاب الدرس، قال أبو يوسف رحمه الله: كنت أطلب الحديث والفقه وأنا مقلٌ رث المنزل، فجاء أبي يوماً وأنا عند أبي حنيفة، فانصرفت معه، فقال: يا بني أنت محتاجٌ إلى المعاش، يعني: اعمل، فذهب ليعمل، قال: ففقدني أبو حنيفة وسأل عني، فلما أتيته بعد تأخيري عنه، قال: ما خلفك؟ قلت: الشغل بالمعاش وطاعة والدي، فلما أردت الانصراف أومأ إلي، فجلست، فلما قام الناس دفع إلي صرةً، وقال: استعن بهذه والزم الحلقة، وإذا فقدت هذه فأعلمني، فإذا فيها مائة درهم، فجلست مجلسه حتى بلغت حاجتي وفتح الله لي، فكان ما حصل من علم أبي يوسف رحمه الله تعالى.