[اشتداد المرض على الشيخ ابن عثيمين ووفاته]
وكذلك فإن الشيخ -رحمه الله- لما نقل من الحرم في آخر يوم بعد ما انتهى من الدرس من شدة الالتهاب الرئوي الذي أصابه إلى جدة في العيد، عولج من هذا الالتهاب الرئوي، فقال لي الطبيب المعالج: تحسنت حالة الشيخ، ففرحنا، ولكن ما زالت آثار السرطان باقية وشديدة، وكان طيلة الوقت، إذا أفاق يقرأ القرآن ويذكر الله، قال: وفي آخر ليلتين اشتد عليه المرض جداً، وسمعناه يقرأ أشياء من القرآن فاستمعنا وأنصتنا، فسمعناه يقرأ قول الله تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [الأنفال:١١] قال: فأعجبنا ذلك، ثم في آخر يومين اشتد عليه المرض جداً، وفي يوم وفاته بعد الظهر الساعة الواحدة والنصف دخل في غيبوبة إلى الساعة السادسة إلا عشر دقائق، وتوقف القلب من النبض، وتوقف النفس، وأسلم الروح رحمه الله تعالى.
وقد ذكر المغسلون الذين قاموا بتغسيل الشيخ وتكفينه ما رأوه من حسن منظره، وسهولة تغسيله، ونظافة بدنه، حتى أنهم ظنوا أن الشيخ قد غسل قبل المجيء به، وبعد ذلك حصل ما علمتم ورأيتم من توافد هذه الجموع الكبيرة للصلاة عليه، وهبَّ هؤلاء الكثيرون لإمامهم، وأديت صلاة الجنازة في ذلك الزحام العظيم، ومشى الناس إلى المقبرة التي تبعد خمسة أو ستة كيلو مترات على الأقدام، وكان منظراً غريباً لأهل مكة أن يروا هذه الجموع تخترق الشوارع وتمشي؛ الكبير والصغير، والشيخ والشاب، ولم يفرغ من دفنه إلا في وقتٍ متأخر من شدة الزحام.
وكان الشيخ رحمه الله في حياته لا يرى الجلوس للعزاء، وكان ينفذ ما يراه صواباً، فلما مات أبوه ولما ماتت أمه لم يفتح بيته للعزاء، تلقى العزاء في المسجد والطريق، وهكذا فعل أولاده من بعده، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أساً بقلبٍ طليح الهم محزونِ يعتاده الكرب من حينٍ إلى حينِ
قد رق حتى غدا من فرط رقته يكاد يوقفه نبض الشرايينِ
وأسعفته دموعٌ سح ساجمها كأنه الغيث يهمي في البساتينِ
تقرحت مقلتي من حزنها أسفاً لفاجعٍ ظل بالدهياء يرميني
فأسكب الشعر دمعاً ساخناً ودماً لعله من أسىً مرٍ يسليني
أضحى بياني عرياً من فصاحته حتى غدا عاطلاً من وصف تبيينِ
غداة قيل طوت أيدي المنون لنا ثوب الحياة عن الشيخ العثيمين
تبكي القصيم وطلابٌ وجامعةٌ ومسجد في عنيزة جد محزونِ
تبكي المنابر والقاعات من حزنٍ وسوف تندبه شتى الميادينِ
وكتبه سوف تبقى الدهر شاهدة على براعته غر العناوينِ
قولٌ مفيدٌ على التوحيدِ قيده أو زاد مستقنعٍ في الفقه والدينِ
عقدٌ ثمينٌ يزين الجيد رونقه تلقفه أيادينا بتثمينِ
والله نسأله للشيخ مغفرة ورحمة يوم نشر الدواوينِ
هذه الأبيات لشاعرٍ مسلم كتبها من قطر.