[مذهب السلف في صفات الأفعال]
ووصف الله سبحانه وتعالى نفسه بأنه واحد، فقال: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة:١٦٣] ووصف بعض المخلوقين بذلك، فمن هذا قوله سبحانه وتعالى: {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} [الرعد:٤] وصف نفسه بالغنى، فقال: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد:٢٤] ووصف بعض المخاليق بالغنى، فقال: {وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء:٦].
فإذاً هل إثبات صفة الغنى لله وإثبات صفة الغنى للمخلوق تعني تشبيهاً؟
الجواب
لا، وهكذا فلا داعي أن تنفى صفات الرب سبحانه وتعالى بعلة التشبيه بصفات المخلوقين.
وقد وصف سبحانه وتعالى نفسه بصفات الأفعال، ووصف بعض المخاليق بهذه الصفة، جاءت للخالق في نص وجاءت للمخلوق في نص آخر.
من صفات الأفعال، مثلاً الرزق، الله سبحانه وتعالى قال: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} [الذاريات:٥٨] وسمى نفسه الرزاق، وصفة الرزق بها يرزق سبحانه وتعالى: {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [المؤمنون:٧٢] ووصف بعض المخلوقين بصفة الرزق، أي أن المخلوق يرزق، الدليل على أن المخلوق يرزق: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء:٨] وقال تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} [النساء:٥] وقال الله عز وجل: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة:٢٣٣].
فهذا الله يرزق، والمخلوق يرزق، لكن شتان بين رزق الله عز وجل ورزق المخلوق، فرزق المخلوق ناقص ورزق المخلوق لا يكون إلا إذا كان عنده، ثم يفنى، ثم لا يستطيع أن يعطي، ولا يرزق إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى إلى آخره.
ولا يقدر المخلوق أن يرزق إلا شيئاً محدوداً، لا يستطيع أن يعطي كل الناس، الله يرزق الحيتان في البحر، ويرزق الدود، ويرزق الجراد، ويرزق كل أحد سبحانه وتعالى.
من صفات الفعل أيضاً: العمل: عمل يعمل عملاً، فالله عز وجل يعمل، وقال سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} [يس:٧١] ووصف بعض المخاليق بأنهم يعملون، كما قال عز وجل: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:١٦] هذا عمل وهذا عمل وإثباتهما لا يستلزم أي تشبيه إطلاقاً.
والتعليم وصف الله نفسه بأنه يعلم، وأخبر أنه يعلم، وأخبر أن بعض المخاليق تعلم، فقال سبحانه وتعالى: {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن:٢] {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن:٤] {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق:٤] {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء:١١٣] ووصف بعض المخاليق بأنهم يعملون فقال سبحانه: {أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} [الكهف:٦٦] {َ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة:٤] {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} [الجمعة:٢] فهذا التعليم من الله، وهذا التعليم من المخلوق، وما استلزم أي تشبيه إطلاقاً، كل كما يليق به.
ووصف سبحانه وتعالى نفسه بأنه ينبئ، ووصف المخلوق بأنه ينبئ، وجمع بينهما في آية واحدة: {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم:٣] فهو ينبئ سبحانه، وأخبر أن نبيه قد نبأ بعض أزواجه.
ووصف نفسه سبحانه وتعالى بصفة الفعل الإيتاء، قال عز وجل: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:٢٦٩] وقال سبحانه: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود:٣] ووصف بعض المخاليق بأنهم يؤتون، فقال عز وجل: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف:٩٦] لكن هذا يقول: أعطوني، أنا أريد المخلوق يعطي الشيء، قال سبحانه وتعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً} [النساء:٢٠] {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:٤].
فكل هذا الكلام يدل على أن الصفات التي وردت لله، لو كان هناك مثلها عند المخلوقين فلا يستلزم إثباتها أي تشبيه، كل بما يليق به.