[السماع على ثلاثة أنواع]
النوع الأول: سماع الإدراك: كقوله عز وجل: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الجن:١ - ٢].
النوع الثاني: سماع الفهم: وهو الذي نفاه الله عن الأموات كقوله عز وجل: {فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [الروم:٥٢] ونفاه عن أهل الإعراض، فقال: {وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} [الروم:٥٢].
النوع الثالث: سماع القبول والإجابة: كقوله تعالى: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:٢٨٥] وفي حالة الجن المسلمين اتصل سماع الإدراك بسماع الإجابة بعد سماع الفهم، فاجتمعت فآمنوا وأسلموا، ويا حظ من كان سمعه موافقاً لمرضاة الله تعالى، ولذلك قال في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به) يعني: لا يسمع إلا ما يرضي الله عز وجل.
أيها المسلمون! إن سماع الفهم والإجابة في غاية الأهمية، وهو سماعٌ مفقودٌ عند الكثيرين، فيسمعون بأُذن الرأس، لكن لا يسمعون بأُذن القلب، ولذلك يواجه الدعاة إلى الله تعالى من المشكلات والمصاعب ما الله به عليم؛ نتيجةً لتخلف سماع الفهم وسماع الإجابة عند الناس.
سماع الرأس والإدراك أمرٌ ميسورٌ لأكثر الناس، أما سماع الفهم فيحتاج إلى إمعان وتركيز، وتفرغ وحضور قلب، أما سماع الإجابة فيحتاج إلى إخلاص وتجرد، ولذلك لا يرزقه إلا القليل، فقليل من الناس الذين يسمعون سماع الإجابة سماع التأثر سماع الانقياد، ولذلك ترى هؤلاء الناس كثيراً ما يسمعون الخطب والمواعظ، لكن قل من يستجيب، وقل من يتأثر لتخلف سماع الإجابة، وسماع التأثر والانقياد.
ولذلك كان من علامات أهل الكفر وأعمالهم أنهم لا يريدون سماع الحق، قال الله تعالى عن نبيه الكريم نوح عليه السلام، الداعية الذي دعا قومه: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح:٧] لكي لا يسمعوا فيتأثروا، وكذلك الكفار: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ} [فصلت:٢٦] حتى لا تتأثروا به، ولذلك جعل الطفيل في أذنيه كرسفاً -أي: قطناً- من الدعاية والإعلام الباطل الذي وجهه كفار قريش لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الله أسمعه وهداه، وكذا كل من يريد الله به خيراً.
وقال الله عز وجل مبيناً أن هناك سماعاً بالرأس، لكنه ليس بسماع القلب: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:١٧٩] فأثبت لهم سمع الرأس، ولكن نفى عنهم سمع القلب، لهم آذان ولهم سمع الرأس؛ لكنهم لا يسمعون بها، فالاستجابة معدومة، والانقياد غير حاصل.
هناك سماع للصوت؛ لكن ليس هناك استجابة، ولذلك وصفهم الله بأنهم أضل من الأنعام، فإن الأنعام إذا سمعت صوت الراعي ودعاءه ونداءه استجابت واستأنست وعرفته فتقبل إليه، أما هؤلاء فلا، وهذا السماع هو المقصود من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار).
أما سماع الفهم: فهو سماعٌ شريف أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على صاحبه: (نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، ثم بلغها عني، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)، فربما يكون الثاني فقيهاً له سمع الفهم، فيفقه ويبلغ وينذر.
عباد الله! إن فهم هذه الأشياء تبين لنا لماذا لا يفهم كثيرٌ من الناس، ثم لماذا لا يستجيبون، ولماذا لا يتأثرون، ولماذا لا ينقادون؟