على المسافر أن يبدأ إذا احتاج إلى السفر برد المظالم، وقضاء الديون؛ نسمع بأناس عليهم ديون متراكمة لكن مع ذلك يسافرون، وينفقون الأموال التي من المفترض أن يسددوا بها ديونهم، والدين غلٌ في عنق صاحبه، والرسول صلى الله عليه وسلم رفض أن يُصلي على الجنازة التي على صاحبها دين، وهؤلاء يبعثرون الأموال.
خرج ابن المبارك رحمه الله إلى ثغر من ثغور المسلمين للجهاد، وكان إذا وصل إلى تلك البلدة القريبة من الثغر يأتي إليه شاب من شباب المسلمين، ويقوم بحوائج ابن المبارك يخدمه ويسمع منه الحديث، فقدم عبد الله بن المبارك مرة إلى تلك المدينة، فجاء النفير بالجهاد فخرج مستعجلاً؛ ولكنه لم ير صاحبه الشاب الذي كان يأتي في العادة ليخدمه، فلما رجع سأل عنه، فقالوا: إنه محبوس على عشرة آلاف درهم من الدين، فاستدل على الغريم، وسأل: من هو صاحب الدين؟ وأعطاه عشرة آلاف، وحلفه ألا يخبر أحداً طيلة حياته؛ فأُخرج الرجل المدين من السجن، وذهب ابن المبارك وسافر، فلحقه الفتى على مرحلتين من الرقة فقال ابن المبارك: يا فتى أين كنت؟ ما رأيتك.
فقال: يا أبا عبد الرحمن كنت محبوساً بدين.
قال: وكيف خلصت؟ قال: جاء رجل فقضى ديني ولم أدر.
هذا عبد الله بن المبارك يتظاهر أنه لا يعرف عن الأمر شيئاً، قال عبد الله للفتى: فاحمد الله، ولم يعلم الرجل إلا بعد موت عبد الله، لكي تنقطع كل شوائب الرياء من الموضوع.