ومن الآداب المهمة أيضاً: عدم إملال الشيخ بكثرة الأسئلة، عن رواد قال: سألت مالكاً عن أربعة أحاديث، فلما سألته عن الخامس، قال: يا هذا ماهذا بإنصاف؟ وكان إسماعيل بن أبي خالد من أحسن الناس خلقاً، فلم يزالوا به حتى ساء خلقه، أي يكون الشيخ مثلاً هادئ الطبع، حسن الخلق، واسع الصدر، فمن كثرة ما يشغله الناس ويضيقون عليه، ويزيدون ويشددون، ويكثرون في الأسئلة، يتغير خلقه فعلاً من الوقت، يتغير خلقه، كان أبو معاوية -ذكره أهل العلم في كتبهم، ونقوله لتوضيح القضية- كان أبو معاوية يحدثنا يوماً بحديث الأعمش عن زر رضي الله عنه، وكان ثم أهل الباتوجة، وأهل الباتوجة الظاهر أنهم ناس لا يعلقون جيداً، فجعلوا يردون: عن الأعمش عن مَن؟ يقول: عن زر، من هو؟ زر؟ قال: عن إبليس، فلما رآهم لا يفهمون، قال: إن إبليس من الضجر.
وجاء رجل إلى يحيى بن سعيد يسأله أحاديث وطول عليه، فقال له يحيى في النهاية: ما أراك إلا خيراً مني ولكنك ثقيل، أنت حريص لكنك ثقيل دم، أنت ثقيل.
وحضرت ذات مرة مجلس عالم كبير من العلماء، فسأله رجل فأضجر الشيخ، الشيخ يقول: تعال لي غداً، يقول: أنا مستعجل وأنا مسافر، قال: تعال غداً، فقال: أنا لا أستطيع، قال: تعال بعد شهر، تعال بعد شهرين، فزاد الرجل، فقال الشيخ: تعال بعد يوم القيامة، تعرف يوم القيامة تعال بعد يوم القيامة، فإذاً الناس إذا لم يراعوا العلماء والمشايخ، هذا من هنا وهذا من هنا، وهذا في الهاتف، وهذا الشخص، وهذا جاء، النفس لها حدود، ولها قدرة في التحمل، والواحد منا نحن السائلين يأتي ليسأل بكامل عافية، يأتي شبعان نوم وأكل وراحة، وجاء للشيخ مجهزاً نفسه، والشيخ عنده أسئلة وناس وأوراق، ويأتي ليبرز الآن ماعنده من أشياء، فينبغي أن تراعي أن هذا الشيخ كثر عليه الناس، أن هذا الشيخ حاله يحتاج إلى شفقة، ما وجدت المكان ولا الزمن المناسب، اذهب يا أخي، عد مرة أخرى، اكتف بسؤال واحد، أجل الباقي.