[نعمة الصحة والفراغ]
قد يفتن الناس بنعمة الصحة والفراغ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحية والفراغ) عنده مال؛ بعض الناس ورث عن أبيه عقارات، يأتيه رزقه بكرةً وعشياً، لا ينقصه شيء، تراه في الصباح في نوم، وفي الليل يلعب البلوت إلى الفجر، وعنده عقارات تدر عليه: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح.
ونظم الشاعر المعنى فقال:
بادر شبابك أن يهرمَ وصحة جسمك أن يسقما
وأيام عيشك قبل الممات فما دهر من عاش أن يسلما
ووقت فراغك بادر به ليالي شغلك في بعض ما
وقدم فكل امرئ قادمٌ على بعض ما كان قد قدما
وقال معاوية بن قرة: أكثر الناس حساباً يوم القيامة الصحيح الفارغ، ورأى شريح جيراناً له يجولون مثلما تجد الآن الشباب في الشوارع يتسكعون، فقال: ما لكم؟ قالوا: فرغنا اليوم -أكملنا أشغالنا، والذي عنده حلقة علم أكملها- قال: وبهذا أمر الفارغ؟! أي: هل أمر بأن يتسكع.
ولذلك لمّا قال البخاري رحمه الله:
اغتنم في الفراغ فضل ركوعٍ فعسى أن يكون موتك بغتة
كم صحيحٍ رأيت من غير سقمٍ ذهبت نفسه الصحيحة فلتة
وفعلاً مات البخاري رحمه الله فجأةً.
ولما دخلوا على أبي بكر النهشلي وهو في الموت يومئ برأسه يصلي، لأنه لا يستطيع أن يقوم، فقالوا له: سبحان الله! على هذه الحال، فقال: أبادر طي الصحيفة، الآن صحيفتي ستطوى، فأنا أنتهز آخر لحظة من عمري في هذه العبادة:
اغتنم ركعتين زلفى إلى الله إذا كنت ريحاً مستريحاً
وإذا ما هممت بالنطق في البـ ـاطلِ فاجعل مكانه تسبيحاً.
ولذلك أهل العلم إذا جاء إليه من يجادل بين يديه، قال: سبح سبح، إذا هممت بالنطق بالباطل فاجعل مكانه تسبيحاً، فينبغي اغتنام الصحة والفراغ والحذر من التأجيل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.