[من ضوابط التجارة: عدم الانشغال بالدنيا عن الآخرة]
ومن الشروط والضوابط: عدم الانشغال بالدنيا عن الآخرة قال الله تعالى: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}[النور:٣٧]، لم يحرم التجارة ولم يحرم البيع؛ بل قال:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}[البقرة:٢٧٥] لكنه ذم الإلهاء ولم يذم التجارة وأثنى على عباده الذين: {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ}[النور: ٣٧] ليس أن يغلق الدكان للصلاة فقط! لا {عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ}[النور:٣٧] وذكر الله أشياء كثيرة، وطلب العلم من ذكر الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}[الجمعة:٩] فهؤلاء لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذ بيعها وربحها عن ذكر ربهم؛ الذي هو خالقهم ورازقهم.
عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رأى قوماً من أهل السوق أقيمت الصلاة فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد، تركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصلاة، فقال ابن مسعود: [هؤلاء من الذين ذكر الله في كتابه: {رِجَالٌ لا تُلْهِهم تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}[النور:٣٧]]، وكذلك قال ابن عمر رضي الله عنه: [فيهم نزلت: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ}[النور:٣٧]].
قال مطر الوراق:[كانوا يبيعون ويشترون، ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه وأقبل إلى الصلاة، وإذا رفع أحدهم المطرقة فأذن ألقاها خلف ظهره ولم يطرق بها] فهذا ضابطٌ مهم جداً في الانشغال بالدنيا، وقد قيل في قوله تعالى:{وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[القصص:٧٧]، قيل: المراد بالنصيب الكفن؛ كأنه قال: لا تنس أن تترك جميع مالك إلا نصيبك الذي هو الكفن، قال الشاعر:
نصيبك مما تجمع الدهر كله رداءان تلوى فيهما وحنوط
وقال آخر:
هي القناعة لا تبغي بها بدلاً فيها النعيم وفيها راحة البدن
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن