لقاء التابعين بالصحابة لم يكن لقاء تضييع أوقات، معاذ الله! بل كان لقاء انتفاع واستفادة، ولقاء أخذٍ وتربية، وانظروا إلى هذه القصة: عن معاوية بن قرة، قال:[كنت مع معقل المزني -صحابي ومعاوية بن قرة تابعي- يقول: ألازمه وأستفيد منه -ينظر إلى حركاته وتصرفاته، يقتبس منه- فأماط أذىً عن الطريق، وبعد برهة قال التابعي: فرأيت شيئاً فبادرته وأمطته عن الطريق، فقال الصحابي للتابعي: ما حملك على ما صنعت يا بن أخي؟ قال: رأيتك تصنع شيئاً فصنعت] هنا التلقي والتربية بالقدوة، وهذه اسمها: التربية بالقدوة، التابعي رأى الصحابي يفعل شيئاً، ففعل مثله وسأله الصحابي ثم علمه، [فقال: أحسنت يا بن أخي، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(من أماط أذىً عن طريق المسلمين، كتبت له حسنة، ومن تقبلت له حسنة، دخل الجنة)] رواه البخاري في الأدب المفرد وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.
فإذاً: الناحية التربوية هنا يا أيها الإخوة! أن التشبه والاقتداء يسري في الأجيال، ولذلك لما ترى علم ابن مسعود مثلاً انتقل إلى من؟ فمن؟ فمن؟ وعلم ابن عباس انتقل مِن مَن؟ إلى من؟ فمن؟ وهكذا، ثم الانتقال ما كان انتقال روايات فقط، بل كان انتقال تأثر بالشخصية، ولذلك قال قبيصة:(كان ابن مسعود أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: في هديه وسمته.
وكان علقمة يشبه ابن مسعود، ويشبه بـ علقمة إبراهيم، وبـ إبراهيم منصور، وبـ منصور سفيان، وبـ سفيان وكيع، في التلقي عبر الأجيال؛ وكيع يأخذ عن سفيان، وسفيان أخذ عن منصور، ومنصور عن إبراهيم، وإبراهيم عن علقمة، وعلقمة صاحب ابن مسعود.