للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بعض العوائق عن قبول الحق]

وبعض الناس ربما يسهل عليه أن يرجع إلى الحق إذا اكتشف هو بنفسه الخطأ، لكن إذا بين له من الآخرين لا يسهل عليه الرجوع، ويشق عليه أن يبين له من قبل الآخرين.

وبعض الناس ربما يقبل الحق ممن هو أكبر منه، لكن إذا كان من أقرانه أو ممن هو أصغر منه لا يقبل، وهذه مصيبة أيضاً، وقد تقدم حال السلف رحمهم الله في قبول الحق من الأطفال؛ لأجل منزلة الحق وعظم الحق في قلوبهم.

ومن الناس من يكون في نفسه عجب يمنعه من قبول الحق.

إذا نصحت لذي عجب لترشده فلم يطعك فلا تنصح له أبداً

فإن ذا العجب لا يعطيك طاعته ولا يجيب إلى إرشاده أحداً

صاحب العجب (المعجب بنفسه) كيف ينقاد للحق؟! وبعض الناس لا يرجعون إلى الحق لجهلهم، وأكثر النفوس على جهل ما لم تعلمه:

وضد كل امرئٍ ما كان يجهله والجاهلون لأهل العلم أعداءُ

وبعض الناس يرد الحق لأنه يخالف ما ألفه ونشأ عليه:

وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه

وهكذا تتوارث الأجيال كثيراً من العادات والسلوكيات الخاطئة، وتتناقلها جيلاً بعد جيل، حتى تتحول إلى مُسِلَّمة من المُسلَّمات التي لا تقبل النظر والمراجعة، فضلاً عن تركها والبعد عنها، وحينئذٍ يجبن الكثيرون عن التصويب، وهكذا ما ترى من عادات بعض القبائل من الأمور المحرمة التي لا يرجعون عنها، ويعتبرونها قانوناً لا يسعهم التخلف عنه، وحجتهم هي حجة أهل الجاهلية: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} [النساء:٦١] ماذا يقول هؤلاء وغيرهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:٢٣] وجدنا آبائنا هكذا، فنحن على ما وجدنا عليه آبائنا، تقول: هذا الحق، وهذا الكتاب، وهذه السنة، فيقولون: نحن على ما نشأنا عليه، وما ألفناه وما عرفناه، ويرفضون الحق.

فيا عبد الله! أيهما ينجيك عند الله: تقليد الآباء والأجداد، أم تقليد الكتاب والسنة؟ وما الذي سيقبله الله منك؛ أن تقول: وجدت أبي وجدي، والمجتمع من حولي، أو أن تعترف بما في الكتاب والسنة، وتراجع ذلك؟ وبعض الناس عندهم كبر تجاه الدعاة إلى الله والناصحين، لا يقبلون منهم نصيحةً، قال ابن مسعود رضي الله عنه: [إن من أكبر الذنب، أن يقول الرجل لأخيه اتق الله، فيقول: عليك نفسك أنت تأمرني؟!] وهكذا ازدراء الخلق، وإذا كان هؤلاء الخلق دعاة وفضلاء فإن ازدراءهم أعظم إثماً ولا شك، وهذه مسألة خطيرة -أيها الإخوة- ومبدأ مهم في حياتنا يجب اعتماده، والذي يخالف ذلك سيكون عرضة للهلاك بلا شك، وتأمل في أكثر مصائبنا وسبب انحرافاتنا تجد السبب أننا لا نرجع إلى الحق، وكثير من المشكلات بين الأب وأبنائه، والزوج وزوجته، والأخ وإخوانه، والجار وجاره، وهكذا، وبين المدعو والداعية، تجد أن السبب في المشكلة عدم الرجوع للحق، وعدم قبول الحق، ينبغي أن تقدر القضية حق قدرها، وأن تعطى شأنها، وأن نكون متواضعين للحق.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن يخافك في الغيب والشهادة، وممن يقول كلمة الحق في الغضب والرضا، اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، اللهم إنا نشهدك أنك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، وأنك تبعث من في القبور.

ونسألك في مقامنا هذا في هذه الساعة أن تعتق رقابنا من النار، وأن تجعلنا من أهل الجنة الأبرار، اللهم إنك أنت الرحيم فارحم عبادك إنك على كل شيء قدير، اللهم ارفع البأس عن المسلمين، اللهم ارفع البأس عن المسلمين، اللهم ارفع البأس عن المسلمين.

هذه المؤامرات تحاك في بلاد المسلمين أيها الإخوة، وهذه الدوائر تدور عليهم من أعداء الإسلام والمسلمين، وهؤلاء الصرب يهددون أهل كوسوفو عند حصول أي شيء لهم بمذابح رهيبة، وآلاف مؤلفة من عصابات المذابح التي كانت في البوسنة التي يسمونها عصابات أراكان وعصابات النمور تتربص بالمسلمين المزيد من المذابح، بعد أن أنهوا عدداً كبيراً منها في المدة الماضية، والعالم مشغول كما يقولون، وهكذا تحاك حول المسلمين في فلسطين وما حولها في بلاد الشام وغيرها، تحاك الدوائر حولهم، ولكن الله سبحانه وتعالى لن يرفع الذل عن الأمة إلا إذا رجعت إليه، وأنابت إليه، والله يخوف الأمة وينذرها بهذه الأحداث والكوارث والقوارع، فمن الذي ينزجر: {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} [الرعد:٣١] {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً} [الإسراء:٦٠] والواجب علينا الاعتبار والاتعاظ ومراجعة الحق والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.

اللهم اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، اللهم إنا نسألك الأمن في البلاد، والرحمة للعباد، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.