[فروق بين المحبة في الله والمحبة مع الله]
ومحبتنا لإخواننا المسلمين نابعة من محبة الله، لا معارضة لها ولا مزاحمة لها، محبة الإنسان لأخيه في الله ليست مزاحمة لمحبة الله، بل هي نابعة من محبة الله، ولذلك كلما كان الشخص أكثر عبادة كنا أكثر محبة له، وكلما كان أكثر إخلاصاً وعملاً لله زادت محبتنا له، بغض النظر عن شكله ولونه ووسامته ودمامته ونحو ذلك.
ولذلك فإنه لا بد للإنسان أن يفرق بين العشق وبين المحبة في الله، فأما المحبة لله فهي محبة خالصة قوية، بغض النظر عن شكله ولونه وعاهته، بل ربما أحب أجذع أفطس أعرج أشل أعمى لأنه قريب من الله، ويكره جميلاً وسيماً فاتناً لأنه عدو لله، أما العشق فإنه انتقاء من الأشكال ما يوافق الهوى.
ثانياً: المحبة في الله تقرب إلى الله، أما العشق والمحبة مع الله فإنها تبعد عن الله سبحانه وتعالى بل تقطع الطريق على محبة الله، فهي محبة مع الله، ومحبة ما يبغض الله، ومحبة من تقطع محبته عن محبة الله.
ثالثاً: الذي يحب في الله ينفتح على إخوانه المسلمين جميعاً، فيقيم العلاقات معهم جميعاً، ولا يستثني أحداً يستطيع أن يستفيد منه دون أحد، بينما هذا العاشق أو المتعلق قلبه بمن معه ينغلق عليه فينفرد له ويكون خالصاً له ولا يرضى أن يقيم علاقات، أو لا يعطي إخوانه الآخرين إلا النزر اليسير.
رابعاً: إن هذه المحبة في الله تقود إلى استشعار لعظمة الله، وخشوع لله، أما المحبة مع الله فهي هيام وهموم وآلام عند الفرقة والابتعاد، المحبة في الله إذا خلا الإنسان عن الناس ففكره في طاعة الله، أما المحبة مع الله إذا خلا ففكره في معشوقه ومحبوبه، المحبة في الله تجعل الذي تحبه في الله يعينك على الابتعاد عن المعاصي، أما المحبة مع الله فإن هذا المعشوق والمحبوب يوقع في المعصية وربما في الفواحش.
خامساً: المحبة في الله ألفاظ شرعية مجردة عن العلاقات الدنيوية، إني أحبك في الله، أما المحبة مع الله أو العشق فهي ألفاظ غرام وكتابات ورسائل وهواتف وربما كتب له أو ناداه أو ناداها بما لا يصلح إلا بين الرجل وزوجته.
وهذا المجال الكلام فيه طويل وكثير وخصوصاً عند استشراء هذا الداء الذي ألم بكثير من بني البشر في هذا الزمان، حتى بين بعض الذين يظهر عليهم سيما الخير والصلاح، ولذلك كان لا بد من وقفة حازمة في قطع دابر هذا الشر بإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى والإقبال عليه، والانطراح بين يديه أن يخلص قلبه مما علق به من محبة المحبوبين من البشر أو عشقهم، وكذلك الابتعاد عمن هو سبب للداء، وسبب لهذا العشق، وألا تقع عينه على أثر، ولا يسمع له حس ولا خبر قدر الإمكان، بحيث يتنقى قلبه تدريجياً من هذا الداء العضال.
ولعل هذا الموضوع يحتاج إلى مزيد من البيان والإيضاح، ولكن لعل فيما ذكر كفاية لأولي الألباب ومكائد الشيطان كثيرة في الحقيقة، والكلام عنها لا ينتهي، والرجوع فيها إلى أهل العلم الذين يبينون المكائد، ويبينون كيفية الصمود والمواجهة في وجه هذا العدو المبين الذي قال الله في شأنه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} [فاطر:٦] فلا زالت العداوة بيننا وبينه قائمة منذ أن آذى أبانا آدم عليه السلام وزوجته حواء.
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يخلصنا وإياكم من كيد إبليس، وأن يقينا وساوسه وخطواته، وأن يجعلنا من جند الله وحزبه المفلحين، لا من جند إبليس وحزبه الخاسرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.