للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حاجة القائد إلى أمة تقف بجانبه]

نقف هنا -أيها الإخوة- عند مسألة مهمة جداً وهي درس في غاية الأهمية، يظن بعض الناس أن وضع المسلمين الآن لا يحله إلا ظهور قائد رباني، وبعض المساكين يرون أن نجلس وننتظر ظهور قائد رباني يرفع الراية ليسير المسلمون وراءه؛ هذه السطحية الموجودة عند بعض الناس الذين يظنون أن مشكلة المسلمين هي وجود قائد، ويقولون: إذا ظهر القائد انتهى كل شيء، هؤلاء المساكين الذين يعيشون على هذا الوهم لم يقرءوا التاريخ، هل يوجد من القادة عظيمٌ بعد نبينا صلى الله عليه وسلم وإبراهيم الخليل؟! هل يوجد قائد مثل موسى عليه السلام الي قاد بني إسرائيل على أساس أنهم أسلموا معه إلى بيت المقدس، وطلب منهم اقتحامها، ماذا قالوا؟ {يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} [المائدة:٢٤] فعاقبهم الله عز وجل وضرب عليهم التيه أربعين سنة، وحرموا من دخول بيت المقدس، كان معهم قائد عظيم جداً؟ نعم.

لكن هل انتصروا؟ لا، وبذلك تبين لك يا أخي المسلم، وأقولها كلمةً أرجو أن تجد صداها في النفوس: قائد بدون جيش تربى على الإسلام لا يستطيع أن يفعل شيئاً، ولذلك إذا تمعنا في سيرة صلاح الدين سنجد أن أفراد الجيش يختلفون عنا، ولذلك حصلت هذه الانتصارات، كان لأفراد جيش صلاح الدين دور كبير في هذا الجهاد، المسألة ليست صلاح الدين فقط، الذين يظنون أن المسألة صلاح الدين فقط مخطئون، صلاح الدين بمفرده لا يمكن أن يفعل كل هذه الأشياء، كانت الاجتماعات تعقد بين الجيش لتذاكر فرائض الجهاد، ويقوم بينهم العلماء والقضاة يذكرونهم، وحصل مرة أن اجتمعوا عند الصخرة وتحالفوا على الموت، وكانوا يتسابقون على معسكر صلاح الدين بمجرد علمهم بعزمه على الجهاد، وكان لهذه آثار على عامة المسلمين، فيتوافدون على أرض الجهاد وخصوصاً المتطوعة، كما حدث عندما عزم صلاح الدين على كبس خيام الصليبيين في معركة مرج العين عام (٥٧٥هـ) كان الأفراد يقومون بمهام جميلة في غاية الأهمية.

ذات مرة بنى النصارى في حصار عكا ثلاثة أبراج عظيمة جداً يقذفون منها عكا فلحق بالمسلمين خسائر شديدة جداً، فندب صلاح الدين الناس إلى إتلاف هذه الأبراج، فما استطاعوا، حاول كثيراً منهم، حتى جاء شابٌ من أهل دمشق؛ وكان ذكياً يجيد صناعة (الأخلاط الملتهبة والمشتعلة) فعمل خلطة وركزها وركبها ثلاث خلطات، وقذف بها الأبراج واحداً واحداً، فكلما أتت على برجٍ أحرقته ومات من في هذا البرج من جند الصليبيين، واستراح المسلمون جداً بعد إحراق هذه الأبراج الثلاثة، فأراد صلاح الدين أن يكافئ هذا الشاب، فعرض عليه الأموال النفيسة؛ لأنه قدم هذه الخدمة الجميلة، فقال الشاب: أنا فعلت هذا لله تعالى، ورفض أن يأخذ ولو درهماً واحداً، فلما كان مع صلاح الدين مثل هؤلاء الأذكياء انتصر المسلمون؛ هذا من الأسباب.

وكذلك إليكم هذه الحادثة: كان للسلطان مملوك اسمه/ سراسمكر كان شجاعاً قتل من أعداء الله خلقاً كثيراً، وفتك فيهم، فأخذوا في قلوبهم من نكايته فيهم، فمكروا به، وتجمعوا له، وكمنوا له، وخرج إليه بعضهم وتراءوا لهذا المسلم الشجاع، فحمل عليهم حتى صار بينهم فوثبوا عليه من سائر الجوانب من الكمين فأمسكوه، هذا يدل على شجاعة الناس الذين كانوا مع صلاح الدين، ولكن الله عز وجل بلطفه يدافع عن الذين آمنوا، فأخذ أحد النصارى بشعر هذا الرجل المسلم ورفع الآخر السيف ليضرب رقبة المسلم؛ لأن حامل السيف بينه وبين المسلم ثأر؛ لأن المسلم قتل قريباً من أقرباء هذا النصراني، فشاء الله أن تقع ضربة السيف على يد الماسك بشعر المسلم، فقطعت يد النصراني وقام المسلم فهرب، وهم يشتدون وراءه ولم يلحقوه حتى دخل بين المسلمين {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً} [الأحزاب:٢٥].