للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ارتباط الدعوة بالأخلاق]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين، هو الذي دعا إلى الله سبحانه وتعالى على هدىً وصراط مستقيم، وهو الذي قال الله له: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨] وهو الذي أمره ربه فقال له: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:١٢٥] وهو الذي بلغ رسالة ربه بأمانة وإخلاص، ولم يخش إلا الله سبحانه وتعالى.

أيها الإخوة: إن وظيفة الدعوة إلى الله عز وجل من أشرف الوظائف وأعلاها، وقد تكلمنا سابقاً في عِظَمِ هذه المسئولية، وأننا سنسأل عنها يوم القيامة، سنسأل عن تبليغ هذا الدين، إذا كان الإسلام شرفاً للمسلم فإن هذا الشرف سيسأل عنه: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزخرف:٤٤].

ونشهد اليوم من بعض مظاهر الفتور شيئاً من التكاسل في الدعوة إلى الله تعالى، هذا لا يصح أن يكون بحال، فكيف يقعد المسلم الذي يعلم أنه على الحق، وأنه يدين بدين الحق عن الدعوة إلى الله عز وجل؟! وكيف يترك أقرباءه وجيرانه وأصدقاءه وأهل حيه، بل وأهل بلده دون دعوة؟ بل كيف يترك الكفار الذين يستطيع الوصول إليهم، وهم منتشرون بين المسلمين بغير دعوة إلى الله عز وجل؟ حقاً إن بعض الأشياء التي تؤجج في النفس الدعوة إلى الله قد خبا نورها في نفوس الكثيرين، ولذلك نرى اليوم في ضمن ما نرى من علامات عدم الجدية في أخذ هذا الدين، والبرود الذي اعترى كثيراً من الدعاة إلى الله عز وجل: التكاسل عن الدعوة.

وكذلك في بعض أوساط طلبة العلم الذين لا يبلغون ما تعلموا، مع أن الله سبحانه وتعالى قد أخذ العهد على التبيين: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:١٨٧] كيف يتكاسل المسلم عن تبليغ الدعوة والنبي عليه الصلاة والسلام قال آمراً: (بلغوا عني ولو آية)؟ ولعل هذا الفتور الذي نعيشه له أسبابٌ، منها: الانشغال بالحياة الدنيا وزينتها، وهو الذي ألهى كثيراً من الشباب الذين عملوا في الوظائف والتجارة وغيرها عن الدعوة إلى الله عز وجل وقد كان بعضهم يوماً من الدهر شعلة نشاط يتحرك بحرقة من أجل تبليغ هذا الدين، لا يقر له قرار، ولا يهدأ له بال إلا بالاتصال بالناس ودعوتهم إلى الله عز وجل، فينبغي أن تتحرر نفوسنا من الكسل، وأن نخرج من هذه القوقعة التي حشرنا أنفسنا فيها، وأن نقوم بالدعوة إلى الله وتبليغ هذا الدين، فهذا واجب، ونأثم لو تخلفنا عن القيام به.

وهذه الدعوة وظيفة الأنبياء، وهي شرفٌ ولا شك، وينبغي إعداد العدة لها، والعمل من أجل إنجاحها.

والدعوة لها أساليب ووسائل ومنهج، فهي مهمة كبيرة، ونحن -أيها الإخوة! - في عصر الإقناع وتسويق الفكرة، وتسويق الفكرة أعظم من تسويق السلعة حتى عند أعداء الله، الذين يبذلون كل ما يستطيعون من أجل تسويق الأفكار، وأنت ترى جهودهم في نشر الدين النصراني أو الأفكار المنحرفة، سواء ما تقوم به الكنيسة بجميع فروعها، أو الأحزاب الضالة التي تقوم بالتخطيط والعمل الدءوب من أجل نشر تلك الأفكار والعقائد المنحرفة.

وهم أسخياء كرماء، يبذلون ويضحون، ويسافرون عن أوطانهم ويتغربون من أجل نشر عقيدتهم الضالة، ويزخرفون القول، ويعلِّبون الأفكار بهذه الإطارات وهذه الزخارف التي تنطلي على كثيرٍ من ضعفاء العقيدة والعلم، ولذلك تنتشر أفكارهم بين الناس، ولا شك أن المسلم الذي رزقه الله سبحانه وتعالى فهماً في دينه، وحباً لعقيدته، سيسارع بلا شك إلى نشر هذا الدين بالدعوة إلى الله عز وجل.

ولا شك -أيها الإخوة! - أن من أهم عوامل نجاح الدعية إلى الله سبحانه: الخلق الحسن، والله سبحانه قد خص آياتٍ في كتابه بحمل أخلاق عظيمة، ذكرها سبحانه في محكم تنزيله لتدل على عظمة الخُلُق.

نحن نتكلم الآن في هذه الليلة عن الدعوة وعن الأخلاق، الارتباط بين الدعوة والأخلاق، كيف تنجح الدعوة بالأخلاق، ونحن نعرف أن بعض المنحرفين نشروا انحرافاتهم -كما قلنا- بحسن الخلق، لأن حسن الخلق شيءٌ يمكن أن يكون عليه حتى الكافر، ولا يمكن أن ينفك الدين عن الخلق، بل إن الخلق من صميم الدين، والله عز وجل قال في محكم تنزيله في بعض الآيات: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:١٨ - ١٩] وقال الله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} [الإسراء:٢٩] وقال: {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} [الإسراء:٣٧] وقال الله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:٦٣] وقال عز وجل: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٤] وقال: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إلا مَنْ ظُلِم} [النساء:١٤٨] وأمر بقوله: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور:٢٢] إلى غير ذلك من الآيات التي ذكر فيها الخلق الحسن، بل ذكرت مفردات هذا الخلق في عدد من آيات الكتاب العزيز.