ومن أعظم الذوات المباركة: ذات النبي صلى الله عليه وسلم؛ فذاته ذات مباركة، جعل الله فيها بركةً خاصة، ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يأخذون مِن عَرَقه وبُصاقه فيتمسحون به، وكذلك لما حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، أطاف به أصحابه، فما تقع شعرة إلا في يد رجل منهم.
وقال أنس:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيت أم سليم، فينام في بيتها وهي من محارم النبي صلى الله عليه وسلم -فجاء ذات يوم فنام على فراشها، فأُتِيَت، فقيل لها: هذا النبي صلى الله عليه وسلم نام في بيتك على فراشك، قال: فجاءت وقد عرق عليه الصلاة والسلام، واستنقع عرقه -تجمع العرق- على قطعة أديم على الفراش، ففتحت عتيدتها رضي الله عنها، والعتيدة هي الصندوق الصغير الذي تجعل فيه المرأة ما يعز عليها من المتاع، فجعلت تنشف ذلك العرق وتعصره في قوارير، ففزع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما تصنعين يا أم سليم؟! فقالت: يا رسول الله! نرجو بركته لصبياننا، قال: أصبتِ) وفي رواية: (قالت: أدوف به طيبي) أي: أخلط طيبي بعرقك- حتى يزداد طيباً، فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم.
وعبد الرحمن بن عوف -وقصته في الحديث الصحيح- لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد اكتسى شملةً استوهبه إياها، وطلبها منه، فلامه الصحابة، فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أُكَفَّن فيها.
وهكذا كانوا يلتمسون بقية شرابه صلى الله عليه وسلم ليشربوا منه.
وهذه الأحاديث الصحيحة تدل على أن ذاته صلى الله عليه وسلم وما انفصل من جسده من شعر وعرق، وما استعمله من لباس وآنية قد جعل الله فيه من البركة ما يُسْتَشفى به، ويرجى بسببه الفائدة في الدنيا والآخرة.
من الذي جعل فيه البركة؟ الله عز وجل.
من جعله سبباً للشفاء؟ الله عز وجل.
كان الصحابة يأخذون من أثره، فيضعونه عليهم عند إصابتهم بعين أو مرض أو حمى، فيشفيهم الله تعالى، فذاته صلى الله عليه وسلم ذاتٌ مباركة لِمَا وضع الله فيها من البركة.
وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام وتطاول الزمن ذهبت آثاره، وذهب شعره ولباسه وآنيته وسلاحه، ولم يعد لدينا إثبات الآن بأن هناك بقية من ذاته قد بقيت، وليس كل متحف وضع شعرةً في علبة أو وضع سيفاً في خزانة كان فعله دليلاً على أن ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم، فنحن لا نملك إثباتاً الآن على بقاء شيء من ذاته، فلذلك لا يجوز ادعاء ذلك ولا استعماله.