وكانت عبادته عظيمة -رحمة الله عليه- قال يوسف بن أسباط: قال لي سفيان بعد العشاء: ناولني المطهرة أتوضأ، فناولته فأخذها بيمينه ووضع يساره على خده، فبقي مفكراً، فنمت ثم قمت وقت الفجر فإذا المطهرة في يده كما هي، فقلت: هذا الفجر قد طلع! قال: لم أزل منذ ناولتني المطهرة أتفكر في الآخرة حتى هذه الساعة.
وكان عجيباً في قيامه لليل، كان يقوم الليل حتى الصبح في أيام كثيرة، وكان يرفع رجليه على الجدار بعد قيام الليل حتى يعود الدم إلى رأسه، وكان إذا أكل اجتهد في القيام بزيادة، أكل مرة طعاماً ولحماً ثم تمراً وزبداً، ثم قال: أحسن إلى الزنجي -أي: العبد- أحسن إلى الزنجي وكده.
ومرة قدم على عبد الرزاق، فقال عبد الرزاق: طبخت له قدر سكباج -لحم مع خل- فأكل، ثم أتيته بزبيب الطائف فأكل، ثم قال: يا عبد الرزاق! اعلف الحمار ثم كده، وقام يصلي حتى الصباح.
وقال علي بن الفضيل: رأيت الثوري ساجداً، فطفت سبعة أسابيع -سبعة أشواط حول الكعبة- قبل أن يرفع رأسه وقال ابن وهب: رأيت الثوري في الحرم بعد المغرب سجد سجدة فلم يرفع رأسه حتى نودي للعشاء.
وكانت خشيته لله أبلغ من أن توصف، قال قبيصة: ما جلست مع سفيان مجلساً إلا ذكرت الموت، وما رأيت أحداً أكثر ذكراً للموت منه.
وقال يوسف بن أسباط: كان سفيان إذا أخذ في ذكر الآخرة يبول الدم من خشيته لله عز وجل.
وقال سفيان: البكاء عشرة أجزاء: جزء لله، وتسعة لغير الله، فإذا جاء الذي لله في العام مرة فهو كثير.