للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حديث: "اغتنم خمساً قبل خمس"

وحتى لا يشعر العباد بالبخس، ولا تفوتهم الفرصة قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم -ويجب أن نشعر أن هذا الحديث موجه إلى كل واحدٍ منا- قال: اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك؛ لأن الشباب فيه من الطاقة والحيوية ما ليس في الهرم، وصحتك قبل سقمك؛ قبل أن يأتيك مرض يشغلك، وغناك قبل فقرك؛ أي: قبل أن تأتي حاجة أو مصاريف كثيرة تقضي على المال وتفتقر، فاغتنم المال الذي بين يديك وتصدق منه قبل أن تفتقر، فأنت لا تدري ماذا سيحدث لك في المستقبل، وفراغك قبل شغلك؛ فكل الفراغ الذي يحصل لك في الدنيا اغتنمه، فقد تنشغل في الدنيا، وقيل: اغتنم فراغك في الدنيا قبل أن تنشغل بالعذاب في الآخرة- وحياتك قبل موتك، فعلى وجه الإجمال اغتنم حياتك قبل موتك، وهو حديثٌ صحيح.

وسنركز أيها الإخوة على واحدة من هذه الخمس وهي: اغتنم فراغك قبل شغلك: أريد أن أسألكم سؤالاً: حديث: (اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) هذا الحديث يدور على عدة أشياء.

أليس بعض هذه الخمس يدخل في بعض؟ يعني: فراغك قبل شغلك يدخل في حياتك قبل موتك، والوقت هذا واحد، وثانياً: الصحة، وثالثاً: المال.

لأن الصحة من الشباب، والمال منصوص عليه في الحديث، الواحد منا إذا كان عنده وقت وصحة ومال، استطاع أن يفعل كل شيء، يعني من الناس من يكون صحيحاً لكنه مشغول بالكسب، ومن الناس من قد يكون متفرغاً ليس عنده شغل، لكنه مريض معلول أليس كذلك؟ لكن الشخص الذي عنده صحة وعنده وقت، يستطيع أن يكسب مالاً ويستطيع أن يعمل أشياء كثيرة جداً، فعنده الآن أهم مسألتين في النعم بعد نعمة الإيمان وهما: الصحة والوقت، الوقت الذي هو الفراغ، لذلك جاء النص عليهما في الحديث الآخر: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس؛ الصحة والفراغ) ولذلك قال العلماء: أهم نعم الله عز وجل على العبد ثلاث: الإيمان والصحة والفراغ.

فأن يجد إيماناً وصحةً وفراغاً فهو رأس المال كله، ومعنى مغبون فيهما كثير من الناس، الغبن: أن تشتري سلعة بأكثر من قيمتها الحقيقية، أو تبيع سلعة بأقل من قدرها، هذا غبن أيضاً، وأكثر الناس مفرطون في الصحة والفراغ، ولذلك فهم مغبونون أشد الغبن، وهناك قلة من الناس لم يغبنوا، كما نص عليه الحديث قال: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس) يعني: هناك قليل تلافوا ذلك الغبن، وهؤلاء القليل هم الفائزون.

استغلال الوقت مهم جداً لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعةٍ مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها).

يتحسرون على ساعة، والساعة لحظة، أي: مدة من الزمن، يقال: للفترة القصيرة من الزمن في لغة العرب ساعة، لا يتحسر أهل الجنة على شيء، إلا على ساعةٍ مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها، ويبلغ مقدار أهمية استغلال الوقت في الإسلام مبلغاً عجيباً لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليفعل).

يعني: استغل كل شيء، لو قامت القيامة وتستطيع أن تغرس فسيلة في يدك، فاغرسها ثم مت، وهذا الوقت -أيها الإخوة- من نعم الله عز وجل، وله ميزات عجيبة، فهو سريع التقضي أبي التأتي، يذهب بسرعة ولا يمكن أن يرجع، وهو كالسيف إن لم تقطعه قطعك، بعض الناس يقول: هذا عنده غيرة، وهذا ليس عنده غيرة، هناك غيرة مهمة جداً، وهي الغيرة على الوقت، الواحد قد يغار على عرضه، ويغار على أهله، لكن هناك غيرة مهمة، وهي الغيرة على الوقت الذي يذهب ويهدر، فإذا صارت هناك غيرة على هذه الأوقات المهدرة حصل كمالٌ عظيم للمسلم، قال صاحب صيد الخاطر: ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظةً في غيره قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة، فإذا علم الإنسان وإن بالغ في الجد بأن الموت يقطعه عن العمل، عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته، فإن كان له شيءٌ من الدنيا -يعني عنده أموال مثلاً- وقف وقفاً وغرس غرساً يأكل منه الطير والحيوان فيكون له أجر- الناس الذين عندهم مزارع وبساتين، وعندهم حدائق في بيوتهم، لو نووا بهذا الغرس أنه لله، فإذا أكل منه طير أو حيوان فإنهم يؤجرون على نيتهم هذه؛ وقف وقفاً أو غرس غرساً وأجرى نهراً، ويسعى في تحصيل ذرية تذكر الله بعده، فيكون الأجر له.