[كرامات حدثت للصحابة]
أما ما حصل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فقد كان لأصحابه كرامات، فمثل أسيد بن حضير وعباد بن بشر كانا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء حندس؛ -يعني: شديدة الظلمة- فلما خرجا أضاءت عصا أحدهما فجعلا يمشيان بضوئها، فلما تفرقا أضاءت عصا الآخر.
وهذا الحديث صحيح.
جاء عن أنس (أن أسيد بن حضير الأنصاري ورجل آخر من الأنصار تحدثا عند النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة لهما، حتى ذهب من الليل ساعة، وليلة شديدة الظلمة، ثم خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقلبان؛ أي: يرجعان إلى البيت وبيد كل واحد منهما عصية، فأضاءت عصا أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها، حتى إذا افترقت لهما الطريق، كل واحد إلى بيته، أضاءت للآخر عصاه، فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله).
وفي رواية عن أنس: (أن رجلين خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، فإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا، فتفرق النور معهما).
فهذه الأحاديث الصحيحة في كرامة بعض صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وأسيد بن حضير نفسه هو صاحب كرامة نزول الملائكة: (لما كان يقرأ سورة البقرة وفرس له مربوطة في زاوية البيت، ويحيى ولده مضطجع بجانبها، فجال الفرس جولة حتى خشي على ولده يحيى، فأمسك عن القراءة، ثم قرأ فجالت الفرس فرفع رأسه فإذا بشيء كهيئة الظلة فيها مصابيح، تقبل من السماء فهالني فسكت، قال أسيد: فلما أصبحت غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: اقرأ أبا يحيى، وهكذا ثلاث مرات، ثم قال عليه الصلاة والسلام: تلك الملائكة دنوا لصوتك، ولو قرأت حتى تصبح لأصبح الناس ينظرون إليهم).
وكذلك خبيب بن عدي لما أسروه بـ مكة، رأت امرأة من المشركين بين يديه قطفاً من عنب وما بـ مكة ثمرة، وإنه لموثق في الحديد.
وهذا الحديث أخرجه البخاري رحمه الله، فمن كرامات خبيب بن عدي أن الله عز وجل رزقه بهذا الرزق وهو موثق اليدين سجين في مكة ولا يوجد في مكة ثمرة من هذا العنب.
وكذلك قصة أويس القرني وما كان من كرامته في إجابة دعوته.
وكذلك كان لبعض السلف رحمهم الله تعالى كرامات من جهة إجابات دعوتهم.
وكان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه له كرامات في فراسته وصدق ظنه، ومن الكرامات المشهورة لـ عمر رضي الله عنه، أن عمرو بن العاص لما فتح مصر أتى أهلها إلى عمرو بن العاص حين دخل، شهر الأشهر العجم، قالوا: أيها الأمير! إن لنيلنا هذا سُنَّة لا يجري إلا بها، قال: وما ذاك؟ قالوا: إذا كان اثنتي عشر خلون من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر من أبويها، فأرضينا أبويها أي: أعطيناهم المال وأرضيناهم وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل، هذا لكي يفيض النيل، وإلا لا يفيض، فقال لهم عمرو: إن هذا مما لا يكون في الإسلام، إن الإسلام يهدم ما قبله، فأقاموا (بؤنة وأبين ومسرى) وهي أشهر كانت عندهم، والنيل لا يجري قليلاً ولا كثيراً، حتى هموا بالجلاء والذهاب من هذه الأرض، فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب، فكتب عمر جواباً إلى عمرو بن العاص يقول فيه: إنك قد أصبت بالذي فعلت، وإن الإسلام يهدم ما قبله، وإني قد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي هذا، فألقها في النيل، فلما قدم كتاب عمر إلى عمرو أخذ البطاقة ففتحها، فإذا فيها من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد: فإن كنت إنما تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك، قال: فألقى البطاقة، فلما ألقى البطاقة أصبحوا يوم السبت وقد أجراه الله ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة، وقطع الله تعالى تلك السنّة عن أهل مصر إلى اليوم، فلم يعودوا أبداً لإلقاء جارية في النيل، وهذه القصة سندها رجاله ثقات، وقد ذكرها الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة.
ومن كرامات عثمان رضي الله عنه الخليفة المقتول ظلماً أن جهجاه الغفاري أخذ عصا عثمان التي يتخصر بها فكسرها على ركبته، فوقعت في ركبته الآكلة؛ الآكلة مثل الدود، أكلت ركبته محل الموضع الذي كسر عصا عثمان عليه.
وهذا سنده رجاله ثقات أيضاً.
وكذلك سعد رضي الله عنه، فإنه كان مجاب الدعوة، ولذلك لما اتهمه رجل قال: أنه لا يعدل في الرعية، ولا يقسم بالسوية، ولا يغزو في السرية -أي: لا يخرج للجهاد- قال سعد: [اللهم إن كان كاذباً فأعم بصره، وعجل فقره، وأطل عمره، وعرضه للفتن]، قال الراوي: فما مات حتى عمي، قال: فكان يلتمس الجدران، وافتقر حتى سأل الناس، وأدرك فتنة المختار الكذاب فقتل فيها.
والقصة وردت في الصحيح، كيف أنه كان يغمز الجواري في الطرقات، ويتعرض للنساء في الشوارع، ويقول: مفتون أصابتني دعوة سعد.
وكذلك لما ظلمته امرأة في ادعاء أرض دعا عليها أن الله يعمي بصرها ويقتلها في أرضها، فأعمى الله بصرها ووقعت في بئر في أرضها فماتت.
وأما خالد بن الوليد رضي الله عنه، فإن من كراماته أنه لما كان في الحيرة، أتي له بسم فقال: ما هذا؟ فقالوا: سم ساعة، تأخذه من هنا وتموت، قال: باسم الله ثم ازدرده.
وسنده حسن.
وهذه القصة قيل: إنها وردت في تحدٍ حصل بين خالد وأحد المشركين، أو أحد الكفار النصارى، وأن خالداً قد شربه توكلاً على الله تعالى لإظهار اليقين لهم، ولم يضره ذلك.
وعمران بن حصين جاء في الأحاديث الصحيحة: (أن الملائكة كانت تسلم عليه) ثبت ذلك في صحيح مسلم، أن الملائكة كانت تسلم على عمران بن حصين.
وأما حجر بن عدي فإنه عبر مع جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نهر دجلة بلا سفينة بعد فتح القادسية حتى أن الفرس لما رأوهم يعبرون النهر من غير سفينة قالوا: دبوان، دبوان، أي: شياطين، شياطين، وهربوا، قال: فدخلنا عسكرهم، فوجدنا من الصفراء والبيضاء -يعني: من الذهب والفضة- وأصبنا أمثال الجبال من الكافور، وأصبنا بقراً فذبحناها فجعلناها في القدور، وأخذنا من ذلك الكافور ونحن نحسبه أنه ملح وطرحناه في اللحم، فلما أكلنا وجدناه مراً، فقلنا: ما أمر ملح الأعاجم.
فلم يدروا أنه كان كافوراً، لما رأوا هذه الكمية الكبيرة الهائلة، لم يتوقعوا ذلك.
ومن كرامات أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الثابتة قصة سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم، لما ركب في البحر -سمي سفينة لأنه كان يحمل الأمتعة في الأسفار- فركب مرة في البحر فانكسرت، فركب لوحاً منها فطرحه في أجمة فيها أسد -ألقاه في غابة فيها أسد- فقال سفينة رضي الله عنه: يا أبا الحارث -وهي كنية الأسد عند العرب- يا أبا الحارث! أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فطأطأ رأسه وجعل يدفعني بجنبه أو بكتفه حتى وضعني على الطريق، فلما وضعني على الطريق، همهم فظننت أنه يودعني.
رجاله ثقات.
وممن أثبته الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في سير أعلام النبلاء.
وكذلك فإن زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها لما جيء لها بمال، أمرت أن يصب ويطرح عليه ثوب، ثم قالت للجارية: أدخلي يديك فاقبضي منه قبضة فادفعي بها إلى فلان، وإلى فلان، من أبنائها وذوي رحمها، فقسمته حتى بقيت منه بقية، فقالت لها برزة: غفر الله لكِ، والله لقد كان لنا في هذا حظ، أي: لو تركت لنا شيئاً، قالت: ولكم ما تحت الثوب، قالت: فرفعنا الثوب فوجدنا تحته خمسة وثمانين درهماً، وهذا مع أن المال كان أقل مما أنفقت لما طرح في البداية.