إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن يوم القيامة يوم عظيم يوم كان شره مستطيراً، وكان يوماً عبوساً قمطريراً، وطول ذلك اليوم خمسون ألف سنة، ذكره الله لنا في كتابه لنحذر شره، وذكَّر عباده به ليستعدوا لذلك اليوم لئلا يقول أحد: يا رب! لم تخبرني بما يكون فيه، فقد أخبرنا الله بالتفصيل في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن ذكرنا في خطبة ماضية الحشر وبعض ما يكون فيه، وسنذكر في هذه الخطبة -إن شاء الله- أمراً واحداً من الأمور التي تكون في ذلك اليوم، وهو الصراط ولا شك أن التفكر في أهوال الآخرة هو الضامن لإصلاح النفوس وتغيير الحال إلى الأفضل.
العظة باليوم الآخر هي التي تغير سلوك الناس توقظ الغافلين، وتنبه السادرين في غيهم.
عباد الله: إذا جمع الله الأولين والآخرين، وحُشِرَ الناس، وأخذ بالكفار إلى النار، يبقى من ينتسب إلى الإسلام ينتظرون الله تعالى، فيأتيهم الله عزَّ وجلَّ في صورة غير صورته -كما جاء في صحيح البخاري - يمتحنهم، والمؤمنون يعرفون ربهم، فإذا جاء في صورته سجد المسلمون الذين كانوا يسجدون لله في الدنيا؛ لأنهم عرفوا ربهم، وأما المنافقون الذين كانوا يسجدون رياءً يجعل الله ظهر الواحد منهم طبقاً واحداً فلا يستطيع السجود، وهذا الامتحان لكشف المنافقين من المؤمنين، ثم إن الله تعالى يدعوهم فيتبعونه، فيأخذهم الله عزَّ وجل إلى شفير جهنم، ويستشفع النبي صلى الله عليه وسلم، فيأُذن بضرب الجسر على متن جهنم، وهو الصراط.
فالصراط: هو الجسر الممدود على متن جهنم، وهو الطريق الذي سيعبر عليه الناس، والصراط حتم واجب الإيمان به، قامت الأدلة عليه من الكتاب والسنة، قال الطحاوي رحمه الله في عقيدة أهل السنة والجماعة: ونؤمن بالبعث وجزاء الأعمال يوم القيامة، والعرض والحساب، وقراءة الكتاب، والثواب والعقاب، والصراط والميزان، فالميزان من عقيدة أهل السنة والجماعة لا بد من الإيمان به.