الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، هو الحي لا يموت، والإنس والجن يموتون، سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يشاء، لا إله إلا هو الحي القيوم، هو ديان يوم الدين سبحانه وتعالى، وأشهد أن محمداً رسول الله المبعوث رحمةً للعالمين، السراج المنير، والبشير النذير صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: ومن أكثر الأمور فزعاً في ذلك اليوم عندما يجيء الرب نفسه سبحانه وتعالى {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}[البقرة:٢١٠] فيأتي الله لفصل القضاء بين الأولين والآخرين {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}[الفجر:٢٢] فتأتي الملائكة صفوفاً مع الرب عز وجل، يأتي لفصل القضاء بين الخلق بعد أن توسل النبي صلى الله عليه وسلم وشفع، لأن الناس قيام في الحر، وهم في كرب شديد يفزعون إلى الأنبياء واحداً إثر واحد، والأنبياء لا يقولون إلا: اللهم سلم سلم، ويردونها حتى تنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيشفع ويسجد، ثم يقبل منه، ثم يأتي الله لفصل القضاء بين العباد.
صحح ابن حجر عن ابن عباس أنه قال: إذا كان يوم القيامة، مدت الأرض مد الأديم، وجمع الخلائق في صعيد واحد جنهم وإنسهم، فإذا كان كذلك قبضت هذه السماء -أي: كشفت- عن أهلها، فينثر على وجه الأرض من فيها من الملائكة، فلأهل السماء وحدهم أكثر من جميع أهل الأرض جنهم وإنسهم بالضعف، فإذا مروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض، وقالوا: أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم، ويقولون: سبحان ربنا!! ليس هو فينا، وهو آتٍ ثم يقاض أهل السماء الثانية، فلأهل السماء الثانية وحدهم أكثر من أهل السماء الدنيا -من الملائكة- ومن جميع أهل الأرض بالضعف، فإذا نثروا على وجه الأرض، فزع إليهم أهل الأرض، وقالوا: أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم ويقولون: سبحان ربنا!! ليس فينا، وهو آتٍ، ثم يقاض أهل السماوات كلها، فينثرون على وجه الأرض، فيفزع إليهم أهل الأرض فيقولون مثل ذلك، ويجيبونهم بمثل ذلك، ثم يقاض أهل السماء السابعة، فلأهل السماء السابعة أكثر من أهل السماوات الست ومن جميع أهل الأرض بالضعف، فيجيء الله فيهم، والأمم جثى صفوفاً، فينادى: سيعلمون اليوم من أصحاب الكرم، ليقم الحمادون على كل حال -أصحاب الحمد لله على كل حال- فيسرحون إلى الجنة، ثم ينادى ثانية: سيعلمون اليوم من أصحاب الكرم، ليقم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع -أصحاب قيام الليل- فيقومون، فيسرحون إلى الجنة، ثم ينادى الثالثة: ليقم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، فيقومون، فيسرحون إلى الجنة، فإذا أخذ من هؤلاء الثلاثة، خرج عنقٌ من النار، فأشرف على الخلائق، له عينان تبصران، ولسان فصيح، فيقول: إني وكلت بثلاثة: إني وكلت بكل جبار عنيد -الطغاة البغاة الذين كانوا يعذبون الناس في الدنيا ويتكبرون ويتجبرون على الخلق- إني وكلت بكل جبار عنيد، فيلقطون من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيحبس بهم في جهنم، ثم يخرج ثانية، فيقول: إني وكلت بمن آذى الله ورسوله، فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيحبس بهم في جهنم، ثم يخرج ثالثة، فيقول: إني وكلت بأصحاب التصاوير -الذين يعملون التماثيل والصور ذوات الأرواح- إني وكلت بأصحاب التصاوير، فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيحبس بهم في جهنم، فإذا أخذ من هؤلاء الثلاثة، نشرت الصحف، ووضعت الموازين، ودعي الخلائق للحساب.