للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوبة وسيلة لاستدراك ما فات]

إن هناك عدداً من المذنبين سمعوا مواعظ، وسمعوا أشياء حركت فيهم المشاعر الجياشة للتوبة، بعض الناس عندهم رغبة في التوبة، ومن المهم جداً للدعاة إلى الله أن يفتحوا لهم الأبواب، بتوضيح كيف يستدركوا ما فاتهم، وكيف يصلحوا أخطاءهم، يريدون التوبة لكن لا يعرفون كيف الطريق! عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (إن ناساً من أهل الشرك قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن الذي تدعو إليه لحسن -نحن مقتنعين بما تقول- ولو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزل قول الله تعالى {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} [الفرقان:٦٨] ثم قال: {إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان:٧٠] ونزل {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً الآية} [الزمر:٥٣]) رواه مسلم.

نلاحظ أن الشريعة فتحت باب الاستدراك، أنت يا أيها التائب عندك معاصٍ كثيرة والقضية مهمة، وبعض الناس يسألون عن أحكام التوبة، ما هي؟ والتوبة: هي عملية استدراك لما فات، فكما قال السفاريني رحمه الله تعالى في غذاء الألباب: اعلم -رحمك الله تعالى ووفقك- أن الحق الذي تاب منه التائب إما أن يكون لله أو لآدمي، ثم ذكر أشياء عن حق الله، وأشياء عن الحقوق المشتركة، ثم حق الآدمي المحض، وكل معصية وكل اعتداء على حق آدمي فهو اعتداء على حق الله تعالى ومعصية لله، لا بد أن يتوب منها الشخص ثم يعيد حق الآدمي.

إذا كان حق الآدمي قصاصاً مكنه من نفسه، أو كان مالاً أعاده إليه، فإن كان قد أتلف شيئاً عوضه عنه، وإذا لم يستطع استسمح منه، وإذا اغتابه أو قذفه، ثم لو جاء وقال: يا فلان! أنا اغتبتك وقلت فيك كذا وكذا، وخصوصاً أن بعض الناس لا تدري ما ردة فعله، فإنه قد يطلب منك ما قلته فيقول: لا.

ماذا قلت بالضبط؟ أنا أريد أن أعرف ماذا قلت بالضبط، وإلا لا أسامحك إلى يوم الدين.

يأتي الأخ هذا فيقول: أنا أريد أن أتوب قذفت فلاناً واغتبت فلاناً، فكيف أفعل؟ لو أخبرته لربما تفاقم الشر، فذهب شيخ الإسلام رحمه الله وتلميذه ابن القيم وغيرهم من العلماء، إلى أنه إذا قدر أن الشر سيزيد ويعظم ويقع في نفس صاحبه عليه أشياء، ويجد عليه أموراً ما كان يجدها عليه من قبل، فإنه يكتفي بالاستغفار والدعاء له، ويدافع عنه في المجالس الذي اغتابه فيها، ويكذب نفسه في المجالس الذي قذفه فيها، ثم لعله إذا جاء يوم القيامة ووجد في صحيفته حسنات فيقال له: هذا استغفار أخيك الذي اغتابك فإنه استغفر لك، لربما سامحه إذا وجد استغفار أخيه له.

وهكذا عللوا قضية الاستغفار، رجاء أن يرضى عنه خصمه يوم القيامة ببركة استغفاره، وقال ابن المبارك: لا تؤذه مرتين، اغتبته ثم تقول له: قلت فيك كذا وكذا.

وكل أنواع الذنوب لها حل، وهذا ما يجب أن نؤكد عليه أمام التائبين، ونخبرهم به لنفتح لهم الأبواب فيقبلوا، ولا بد أن نعيد الحقوق لأصحابها قبل أن يأتي يوم لا دينار ولا درهم، ولكن بالحسنات والسيئات، كما جاء في الحديث الصحيح.