للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة الدنيا]

عباد الله: كثيرٌ منا يتبع الباطل ويترك الحق، وذلك لعدم معرفته بمنزلة الحق وحال الباطل؛ ولأنه لا يتفكر فيمن يخالف الحق ويتبع الباطل.

إننا كثيراً ما نغرق في أوحال نعيم الدنيا، ولو فكرنا في نعيم الدنيا بالنسبة إلى رضوان الله ونعيم الآخرة، ولو فكرنا في بؤس الدنيا بالنسبة إلى سخط الله وعذاب الآخرة، قال الله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٣١ - ٣٥].

لولا أن يكون الناس أمةً واحدة لابتلى الله المؤمنين بأمورٍ لم تجر بها العادة؛ من الشدة والفقر، والضر والخوف والحزن، ولأعطى كل كافر كل نعيم، ولجعل كل مسلمٍ مؤمنٍ في عذابٍ وشدة؛ لكن الله يعلم برحمته وعلمه وحكمته أن الناس لا يطيقون ذلك، ولربما كفروا، ولذلك جرت العادة بنعيمٍ في الدنيا وعذابٍ هنا وهنا، ولكن الله سبحانه وتعالى يبتلي الصالحين على قدر دينهم، ولذلك ضاعف البلاء على الأنبياء، فالذي يطيق ضاعف عليه البلاء؛ ليجتبيه ويخلصه مما أصابه من آثام وأوزارٍ، وليرفع درجته، وليجعله عنده في المقام العالي.