أيها الإخوة: لماذا تكون بعض الآيات حية في بعض النفوس والضمائر؟ لماذا يكون لها تأثير؟ لأن هؤلاء تلقوها بنفوس مفتوحة، والذي علموهم إياها لم يعلموهم إياها بنفسٍ باردة، بل علموهم إياها بنفوس وقلوب حية، ولذلك بقيت الآيات لها تأثير.
خذ مثلاً قول الله تعالى في سورة مريم:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً}[مريم:٧١ - ٧٢] هذه الآية كان عدد من السلف إذا قرءوها بكوا بكاءً شديداً، [كان عبد الله بن رواحة واضعاً رأسه في حجر امرأته؛ فبكى فبكت امرأته، فقال: ما يبكيكِ؟ فقالت: رأيتك تبكي فبكيت، قال: إني ذكرت قول الله عز وجل: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً}[مريم:٧١] فلا أدري أأنجو منها أم لا؟] وكان مريضاً هذه تربية من الزوج لزوجته على هذه الآية، والخشية من الله.
وكان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه قال:"ليت أمي لم تلدني، ثم يبكي، فقيل: ما يبكيك يا أبا ميسرة؟ قال: أخبرنا أنَّا واردوها، ولم نخبر أنَّا صادرون عنها"، قطعاً أنا واردون جهنم {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}[مريم:٧١] لكن ليس عندنا شيء يثبت لكل واحد منا أنه سينجو منها.
وعن الحسن البصري قال: قال رجل لأخيه: هل أتاك أنك واردٌ النار؟ -انظر إلى الموعظة وأسلوبها، هذا الأسلوب التربوي- قال: نعم.
-تذكر الرجل الآية- قال: فهل أتاك أنك صادر عنها؟ قال: لا.