للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محاربة ابن القيم للتعصب والتقليد الأعمى]

لقد استخدم ابن القيم -رحمه الله- أسلوبه الجميل في محاربة التقليد الأعمى، فيقول في فتنة التعصب والتقليد التي ذبحت كثيراً من المسلمين حتى صار بينهم اقتتال، وتفرقوا في المسجد الواحد، فصار لهم في بعض الأحوال والأوقات الماضية أربعة محاريب يصلي كل أصحاب مذهب في محرابه منفصلين، وكان بعضهم لا يزوج أفراداً من المذهب الآخر، وهذا كله نتيجة التعصب الذي ذمه الله ورسوله؛ ولذلك تجد المجددين من أهل العلم ينهون عن التعصب ويحذرون منه، يقول ابن القيم رحمه الله: تالله إنها فتنة عمت فأعمت، ورمت القلوب فأصمت، ربا عليها الصغير، وهرم فيها الكبير، واتخذ لأجلها القرآن مهجوراً، وكان ذلك بقضاء الله وقدره في الكتاب مسطوراً، ولما عمت البلية، وعظمت به الرزية، بحيث لا يعرف أكثر الناس سواها- أكثر الناس لا يعرفون إلا التعصب، ولا يعدون العلم إلا التعصب- فطالب الحق من مظانه لديهم مفتون، ومؤثره على سواه عندهم مغبون، نصبوا لمن خالفهم في طريقتهم الحبائل، وبغوا له الغوائل، ورموه عن قوس الجهل والبغي والعناد، وقالوا لإخوانهم: إنَّا نخاف أن يبدل دينكم، أو أن يظهر في الأرض الفساد.

ولذلك كان ابن القيم يدعو في كتبه دائماً إلى اتباع الدليل، وكان يقول للناس: إذا رأيتم عَلَمَ السنة فاذهبوا إليه.

ويقول في جواب على سؤال نفاة القياس، وهو متحمس لإظهار السنة ومتابعة الدليل: الآن حمي الوطيس، وحميت أنوف أنصار الله ورسوله لنصر دينه وما بعث به رسوله، وآن لحزب الله ألا تأخذهم في الله لومة لائم، وألا يتحيزوا إلى فئة معينة، وأن ينصروا الله ورسوله بكل قول حق قاله من قاله، ولا يكونوا من الذين يقبلون ما قاله طائفتهم- يقبلون قول الفريق الذي يتعصبون له- وينبذون كتاب الله وسنة نبيه.