فإذا كانت السيئة في حق الآدمي فيجب على التائب أن يخرجها من نفسه بأدائها إلى المظلوم، أو باستحلاله منها على الأقل بعد إعلامه بها، فإن كانت حقاً مالياً أو جناية على بدنه فيجب عليه أن يتحلل من أخيه المسلم الذي ظلمه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح:(من كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض فليتحلله اليوم قبل ألا يكون دينارٌ ولا درهم إلا الحسنات والسيئات).
فإذاً: حقوق الآدميين إما في العرض أو في المال، فيجب عليه أن يتحلل منهم.
وهناك أشياء تتعلق بالعرض فلو أن رجلاً زنى أو فعل الفاحشة بشخص ويريد الآن أن يتوب، فإن كان الشخص المقابل راضياً فلا يتحلل منه لأنه راض وتكفيه توبته فقط، أما إن كان مغصوباً فيجب عليه أن يتحلل منه بطريقة لا تؤدي إلى المفسدة، فقد يقول تائب: أنا غصبت امرأة مثلاً، فهل أتحلل منها بأن أكلمها وأراسلها حتى أتحلل منها؟ وقد أقع فيها، نقول: لا.
إذا كنت ستقع لا تطرق هذا الباب، فهذه المسألة فيها حساسيات معينة، وفيها إحراجات كثيرة، ولذلك لا أرى الآن من المناسب أن أطرح هذا الموضوع وأتوسع فيه لأنه غير مناسب، فالمسألة فيها أشياء، وقد يخون شخص جاره في زوجته، فهل يذهب إلى الجار ويكلم المرأة، ماذا تفعل مع زوجها؟ هذه مشكلة المعاصي والفواحش، وبعد هذا تصبح مشكلة كبيرة جداً، ولذلك الذي عنده سؤال خاص بهذا الموضوع، فعليه أن يسأل أهل العلم عن هذه الجزئية في الموضوع، لأن هذه ستدور في الأذهان كيف أفعل؟ ماذا أقول؟ كيف أعمل؟ إنما أكتفي بما قلت فيكفي التوبة بينه وبين الله، يتوب إلى الله عز وجل ويستقيم.
وأما إن كانت المعصية في غيبة أو نميمة، يعني: في العرض أيضاً فحصل أيضاً خلاف بين أهل العلم في المسألة هل يجب عليه أن يخبره أم لا؟ وحتى لا نطيل فالقول الوسط كما ذكر شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله: لا يشترط الإعلام بما ناله في عرضه من قذف واغتياب، بل يكفي توبته بينه وبين الله، وأن يذكر المغتاب والمقذوف في مواضع غيبته وقذفه بضد ما ذكره به من الغيبة، فيبدل بغيبته مدحاً وثناءً عليه وذكراً لمحاسنه، ويبدل قذفه للشخص الآخر بذكر عفته وإحصانه ويستغفر له بقدر ما اغتابه وهذا اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية رحمه الله؛ لأن إعلام الشخص بالغيبة والنميمة والقذف الذي فعلته في حقه وفي عرضه إذا جئت وعلمته بالمسألة قلت: فعلت كذا وقلت عليك كذا وكذا، فإنها مفسدة محضة لا تتضمن مصلحة، فإنه لا يزيده إلا أذى وحنقاً وغماً، وقد كان مستريحاً قبل سماعه، فإذا سمعه ربما لم يصبر على حمله، وربما كان إعلامه به سبباً للعداوة، فلا يصفو له أبداً، وينتج عنه شر أكبر من الغيبة نفسها، ويوجد التقاطع بين المسلمين.
خلاصة المسألة: إذا كنت تظن أنك إذا أخبرت الشخص أنك قلت عنه كذا وكذا وكذا، فتزيد الأمور تعقيداً وسوءاً فلا تفعل، أما إذا كنت تعتقد أنه من النوع المتسامح، أنه لن يأخذ في نفسه، فقل له: يا أخي! أنا أخطأت عليك -بكلام عام- سامحني! وإذا عرفت أنه يقول: ما هو الكلام بالضبط، وقد إذا قلته وأخبرته بالتفصيل تتفاعل المسألة في نفسه وتقع العداوة، فلا يجب عليك إخباره ولكن تجب عليك أشياء أخرى، أن تذكره بضد ما اغتبته فيه، وأن تدافع عنه في المجالس التي يغتاب فيها وأن تستغفر له، وأن تبين محاسنه، وبهذا تكون قد استكملت توبتك من الغيبة أو القذف.