هذه مقتطفات من بعض المنكرات التي تعج بها مجالسنا اليوم، وإذا كان عدم ذكر الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم في المجلس ففيه وعيد عظيم ولو كان المجلس كله كلاماً مباحاً، لذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:(ما اجتمع قوم في مجلس فتفرقوا ولم يذكروا الله ويصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان مجلسهم ترة عليهم يوم القيامة) أي: حسرة وندامة، وفي رواية صحيحة:(وإن دخلوا الجنة) لما يرون من الثواب الذي فاتهم بعدم ذكر الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجالسهم التي كانت في الدنيا.
بل قال عليه الصلاة والسلام:(ما اجتمع قوم فتفرقوا عن غير ذكر الله إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار، وكان ذلك المجلس عليهم حسرة) مثل جيفة الحمار، منتنة مؤذية ورائحة عفنة هكذا يتفرق الناس إذا لم يذكروا الله في مجالسهم، فأعيدوا معي شريط الذكريات -أيها الإخوة- لتسترجعوا حال مجالسكم هل كان في أي منها ذكر الله وصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كل مجلس يجب أن يكون فيه ذكرٌ لله وهل تسمعون في مجالس اليوم آية أو حديثاً، أو وصية أو حكماً شرعياً أو تذكرة؟ إلا من رحم الله.
إذاً: لا بد من الانتباه إلى السلبية الخطيرة اليوم، بل إنك تجد المسلمين يضحكون على أنفسهم في هذه الآيات والأحاديث التي يعلقونها في مجالسهم، تجد لوحات مخطوطة بخطٍ جيد مزخرفة معلقة في المجالس، فيها أمر الله للمسلمين بالتقوى، أو الإخبار بأن الله مطلع ويعلم كل شيء، بل إن بعضهم يعلق كفارة المجلس في مجلسه، وإذا قام لا يذكر هذه الكفارة، ويخالف صراحة هذه الآيات المعلقة على الجدار.
أيها الإخوة: أية حالة وصلنا إليها اليوم؟! نعلق الآيات والأحاديث على الجدران ثم نخالفها بتصرفاتنا وأفعالنا وأقوالنا، إذاً: ما هي فائدتها؟! ومن هنا رأى بعض العلماء عدم جواز تعليقها إذا كانت هذه هي حال المجالس، لأن فيه استهزاءً بما ذكر في هذه اللوحات والملصقات، ومن أجل هذا صار بعض العقلاء من المسلمين اليوم ينفرون عن مجالسة الناس، وعن الجلوس والحديث معهم، وترى أحدهم يقول: مالي وللناس، لماذا أجلس معهم وهذه هي أحوالهم وهذه هي أحاديثهم؟ فهذا الرجل على صواب فيما يفعل، إذا لم يكن عنده قدرة على التغيير، فإنه لا بد من هجر أماكن المعاصي والفسوق.
بدلاً من أن تكون مجالسنا مجالس ذكر لله، يتحقق فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:(ما اجتمع قوم على ذكر فتفرقوا عنه إلا قيل لهم: قوموا مغفوراً لكم)، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:(ما جلس قوم يذكرون الله تعالى فيقومون حتى يقال لهم: قوموا قد غفر الله لكم ذنوبكم وبدلت سيئاتكم حسنات).
هذا الحديث ليس خاصاً بحلق الذكر في المساجد، وإنما في جميع الحلق في المجالس.
ولذلك يعجبك الرجل عندما تجلس في المجلس أن يقول لواحدٍ من أهل الخير: يا فلان، حدثنا عن آية كذا حدثنا عن حديث كذا سمعت مرة حديثاً ما هو هذا الحديث وما معناه؟ ما هي قصة النبي الفلاني؟ ما حكم الشيء الفلاني؟ هؤلاء الناس الذين يصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم مفاتيح للخير مغاليق للشر، هؤلاء كثير منهم ليس عندهم علم شرعي، لكنهم حريصون على التعلم والاستزادة، وصبغ مجالسهم بالخير والذكر والأشياء التي ترضي الله عز وجل.
إنك عندما تسمع هذه الندرة من المسلمين اليوم يسألون في هذه المجالس؛ فإن قلبك يهتز فرحاً من بقية الخير الموجود في الأمة، نسأل الله أن يكثره.