إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الإخوة: حديثا اليوم عن موضوع من مواضيع الإيمان وأعمال القلوب، التي لا يستشعرها ولا يعيش لحظاتها إلا من أوقد الله قلبه بحرارة الإيمان، وعمَّره برياض ذكر الله سبحانه وتعالى والإقبال عليه، وخشيته في السر والعلانية.
إنه موضوع فيه احتساب للأجر، وفيه صبر لله وفي ذات الله عزَّ وجلْ، وصبر على أقدار الله سبحانه، يقول الله عزَّ وجلَّ في محكم تنزيله:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ}[النمل:٦٢] فمن الذي يجيب المضطر إذا رفع يديه إلى الله سبحانه وتعالى يطلب منه المدد؟ ومن الذي يجيب المسلم في لحظات الكرب والشدة وهو يهتف داعياً ربه منيباً إليه طالباً منه العون وتفريج تلك الهموم؟ وقال الله تعالى:{إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}[الشرح:٦] فهذا العسر معرفة، واليسر نكرة في الآية، ولذلك قال ابن عيينة رحمه الله: أي: إن مع ذلك اليسر يسراً آخر، كقوله سبحانه:{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}[التوبة:٥٢] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَرِه)، إن العباد إذا نزلت بهم الشدائد فإنهم سرعان ما يقنطون، والله سبحانه وتعالى جعل لكل أجل كتاباً، وجعل لهذا الهم نهاية ولهذا الكرب تفريجاً، ولكن العباد يستعجلون، والله سبحانه وتعالى يعجب ويضحك من قنوطهم ومن قرب فرجه.
وكتب عمر إلى أبي عبيدة يقول:[مهما ينزل بامرئ من شدة يجعل الله له بعدها فرجاً، وإنه لن يغلب عسر يسرين].