للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمانة العلم]

ثانياً: أمانة العلم.

أمانة العلم أمانة عظيمة.

فالمرأة الجاهلة أسهل شيء على إبليس وأهونه وأحقره، والمرأة العالمة بشريعة الله المتفقهة بدين الله ما أصعبها على إبليس وما أشد مراسها، بل إنه ربما يئس منها يأساً شديداً، حتى لا يكاد يستطيع أن يضرها بشيء.

وهذا دين ليس بلهو ولا لعب، فلابد من القيام بأمانته: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:٩] وقد أمرك الله بالقيام بهذه الأمانة وهي أمانة طلب العلم الشرعي، فقال الله لك وللنساء من قبلك: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:٣٤] وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) لما أحست النساء المسلمات بهذه الأمانة قمن مجاهدات جاهدات في حقها، وفي سبيل تحصيل العلم أحست المرأة أنها أمانة فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تقول: (يا رسول الله! ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال صلى الله عليه وسلم: اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا، فاجتمعن، فأتاهن، فعلمهن مما علمه الله).

كان استشعار أمانة التعلم يدفع المرأة للاستجابة للأمر النبوي، للخروج لصلاة العيد حائضاً وغير حائض، وتقول إحداهن: (يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها).

الأمانة يا أيتها الفتاة المسلمة! يا أيتها الأخت في الدين والعقيدة! الأمانة هي التي دفعت النساء إلى التفقه في الدين وعدم الحياء في هذا الأمر، كما قالت عائشة: [نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين] جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! إن الله لا يستحي من الحق -هذه مقدمة جميلة- فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم إذا رأت الماء، فقالت أم سلمة وكانت تسمع: يا رسول الله! أوتحتلم المرأة؟ فقال: تربت يداك! فبم يشبهها ولدها؟!) إذاً هي لها ماء كماء الرجل، فإذا احتلمت وخرج منها الماء فإن عليها الاغتسال.

فما منعها الحياء أن تسأل وتتفقه لأنها تعلم أن هذه أمانة، وأمانة طلب العلم لابد أن تقوم بها.

الأمانة هي التي دفعت النساء الصالحات من أوائل هذه الأمة لحفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، كما فعلت حبيبة محمد صلى الله عليه وسلم الفقيهة الربانية المبرأة من فوق سبع سماوات، أفقه نساء هذه الأمة على الإطلاق، تزوجها وهي بنت تسع سنوات وأقام معها تسع سنوات، وفي هذه التسع السنوات تعلمت علماً جماً؛ لأنها أحست بالأمانة، وأنها لابد أن تحمل الأمانة، توفي عنها النبي صلى الله عليه وسلم وعمرها ثماني عشرة سنة، إنها أصغر منكن -يا أيتها المستمعات- إنها في السن أقل منكن -يا أيتها الحاضرات- في تسع سنين حفظت آلاف الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وروتها، فلما مات عليه الصلاة والسلام ملأت أرجاء الأرض علماً، فروت علماً كثيراً طيباً مباركاً فيه، عن زوجها وعن أبيها وعن غيرهم.

أمانة العلم هي التي دفعت نساء الصحابة إلى التعليم بعد أن حفظن العلم، رأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألون عائشة عن الفرائض، ولو جمع علم الناس كلهم وأمهات المؤمنين لكانت عائشة أوسعهم علماً، كانت يتعجب من فقهها وعلمها ويقول الرجل: ما ظنكم بأدب النبوة.

يقول عروة ابن أختها: لقد صحبت عائشة فما رأيت أحداً قط كان أعلم منها بآية نزلت، ولا بفريضة ولا بسنة ولا بشعر ولا أروى له ولا بيوم من أيام العرب ولا بنسب ولا بكذا ولا بفضائل، فقلت لها: يا خالة! الطب من أين علمتيه؟ فقالت: كنت أمرض فينعت الشيء ويمرض المريض فينعت له -يعني: يوصف الدواء- وأسمع الناس ينعت بعضهم لبعض فأحفظه.

هذه الأمانة في طلب العلم هي التي دفعت النساء المسلمات بعد ذلك للحفظ وأداء الأحاديث، وجعلت من النساء عالمات فقيهات بلّغن الأمانة، كانت بنت الإمام مالك تسمع من وراء الباب قراءة طلابه عليه، فإذا غفل أبوها ولحن القارئ وأخطأ؛ دقت الباب، فيعلم أبوها أن القارئ قد أخطأ فيقول: ارجع فالغلط معك.

حتى جارية الإمام مالك اشترى خضرة وكانوا لا يبيعون الخضرة إلا بالخبز فقال لها: إذا كان عشية حين يأتينا الخبز فأتينا نعطك الثمن، قالت: ذلك لا يجوز، فقال لها: ولماذا؟ قالت: لأنه بيع طعام بطعام غير يد بيد، فسأل عن الجارية فقيل له: إنها جارية مالك بن أنس فهذا أشهب تعلم من جارية مالك بن أنس.

وهذه بنت سعيد بن المسيب رحمها الله ورحم أباها، هذه المرأة التي حفظت عن أبيها علماً جليلاً، هذه المرأة لما تزوجت وأراد زوجها أن يخرج للقاء أبيها العالم، قالت له: إلى أين تريد؟ قال: إلى مجلس سعيد أتعلم العلم، قالت: اجلس أعلمك علم سعيد، اجلس أعلمك علم أبي.

لما استشعرت النساء المسئولية قمن لله سبحانه وتعالى لتعلم أحكام الدين والشريعة، وحفظ القرآن والأحاديث.

كيف تقومين بأداء أمانة العلم الشرعي أيتها المرأة المسلمة؟ لابد أن تتعلمي كيف تقرئين القرآن، وكيف تحفظينه، وكيف تسمعينه، وكيف تتدبرين معاني القرآن؟ لابد على الأقل أن يكون عندك تفسير بسيط لمعاني القرآن، فتتعلمين معاني ما أنزل الله بدلاً من أن يكون طلاسم ومبهمات، وهو كلام ربك، وأنتِ تفهمين في الموضات والأزياء وفن الطبخ أكثر مما تفهمين من كلام الله، هذا لعمر الله من أعظم ما يسبب الخجل من النفس، مصيبة وطامة، بل هل تفهم سائر نسائنا معاني مفردات بسيطة في سور قصيرة يقرأنها دائماً، وهل يعرفن معنى الصمد والفلق والخناس والغاسق ووقب فضلاً عن معنى {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً} [العاديات:١ - ٢] أليس أمراً مؤسفاً ألا تعلم كثير من النساء معاني الآيات.

ثم لابد أن تتعلمي حديث النبي صلى الله عليه وسلم ومعانيه، وتميزي بين الصحيح والضعيف، وما اشتمل عليه الحديث من الأحكام.

لابد أن تتعلمي العقيدة، فأركان الإيمان الستة مهمة جدا، ً والسيرة النبوية والفقه وأركان الإسلام، وأحكام النكاح، خصوصاً إذا أردت الزواج.

معرفة مخططات الأعداء، من حمل أمانة العلم -أيتها الفتاة المسلمة -الاستفتاء بالطريقة الشرعية سؤال الثقات من أهل العلم الصدق في السؤال وعدم التلاعب في صياغته كما يحدث من بعض النساء عدم تتبع الرخص والتنقل من شخص إلى آخر بحثاً عن منفذ اتباعاً للهوى، ولابد لك من القراءة في الكتب والبحث والاطلاع.