للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الهمة في الدعوة إلى الله]

وأما الهمة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى؛ فهذه قضية ينبغي أن تكون مغروسة في أنفسنا؛ لأننا -أيها الإخوة- مطالبون بأمر إلهي {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل:١٢٥] يجب علينا أن ندعو لننقذ الأمة من الهلكة، الأمة الآن تعيش في أحط أوضاعها، وأسفل ما مر بها في تاريخها، ولو تأمل الداعية صعوبة المهمة لعرف أنه لا بد أن يكون صاحب إرادة قوية وهمة عالية؛ لأن هناك جهداً كبيراً يجب أن يبذل، فتصحيح الانحرافات الموجودة ليس أمراً سهلاً، والأمر أعظم مما قال عمر بن عبد العزيز لما قال: [إني أعالج أمراً لا يعين عليه إلا الله، قد فني عليه الكبير، وكبر عليه الصغير، وفصح عليه الأعجمي، وهاجر عليه الأعرابي، حتى حسبوه ديناً لا يرون الحق غيره].

هذه الأمة الآن غارقة في المصائب والمعاصي، والكفر والشرك على رأس ذلك، إنها المحاربة من قبل الأعداء؛ يحاربون المساجد بالمراقص، والزوجات بالمومسات، والعقيدة بالفكر المنحرف والفلسفة، والقوة باللذة، يحاربوننا بأن يجعلوا همتنا دنية في اللقمة والجنس.

والداعية إلى الله إذا رأى أهل الباطل وعملهم في دعواتهم الباطلة وسعيهم لنشرها حتى لربما كانت عجوزاً شمطاء في المجاهل والأدغال مع ضعفها وقلة حيلتها تعمل لأجل الصليب، أو غير ذلك من الأفكار المنحرفة، ويسهرون الليل، وينفقون الأموال، فالعيب الكبير في الشخص أن يتقاعس عن الدعوة وهو ينظر إلى أولئك القوم.

والداعية إلى الله يعلم أنه منصور، وإن لم يكن منصوراً بالسنان فهو منصور بالحجة والبيان (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله).

وتأمل في قوة إرادة النبي صلى الله عليه وسلم وعلو همته في الدعوة لما بعث ولم يكن في الأرض في ذلك الوقت إلا هذه البشرية المنحرفة، تأمل حال رجل واحد مطلوب منه التبليغ وحمل الناس على الدين، وإقامة الإسلام في الأرض، وهو واحد أمام هذا الكم الهائل من ركام البشرية المنحرفة التائهة الغارقة في الشرك والوثنية، كم تكون المهمة صعبة والحمل ثقيل؟ رجع يقول: (زملوني زملوني) من هول ما ألقي عليه من هذه التبعات العظيمة، لا يقام بهذه المسئولية إلا من قبل رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، أصحاب همم عالية وإرادات قوية، والدعوة إلى الله طبيعتها الابتلاء والفتن والمحن، ولا بد من صبر.

الدعوة تحتاج إلى بذل أوقات، وهذا نوح ظل يدعو قومه {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً} [العنكبوت:١٤].

الدعوة إلى الله تحتاج لصاحب همة عالية يدعو إلى الله سراً وجهاراً، ليلاً ونهاراً، في جميع الأحوال والظروف، وينوع الوسائل.

والداعية إلى الله يرحل ويتجول في أي مكان سافر وإلى أي مكان ارتحل فهو يدعو، تأمل حال الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك).

لاحظ: أتانا رسولك؛ هؤلاء رسل النبي صلى الله عليه وسلم يجوبون القفار والصحاري وينتقلون بين القبائل لتبليغ الدعوة، أسفار ومشاق وصرف أموال وتعب، لكن هذه حال الدعوة.

والداعية وقف لله تعالى لا يصلح أن يترك هذه المهمة، أو يقول: أدعو سنة وأنام سنة، كلا.

وقد تكلمنا في بعض المحاضرات الماضية عن أساليب الدعوة، ووسائل الدعوة، وبعض صفات الداعية، فلا نطيل بهذا ولكن القضية تذكير بأن المهمة في عصرنا صعبة ولكنها واجبة، ولا بد أن نكون أصحاب إرادات كبيرة وهمم عليا لنقوم بهذه الدعوة.