نقرأ التاريخ فنجد قدوات من الأغنياء من المسلمين كيف كانت معاملتهم للفقراء؛ فهذا أبو شجاع الوزير: كان غنياً جداً، ومع ذلك فإنه أنفق أمواله في الخيرات وأكثر الإنعام على الأيتام والأرامل.
وقد حصل أنه ذات مرةٍ أوتي بأنواعٍ من الحلويات -قطايف عليها السكر- فتذكر أن هناك فقراء في البلد لا يذوقون هذا الطعام، لأنه طعام لا يجلب إلا لخاصة الناس -تأملوا! وزير يُؤتى له بطعام لا يؤتى إلا لخاصة الناس- فذهب به كله إلى الفقراء فقسمه عليهم ولم يأكل شيئاً منه.
وجلس مرة للطعام، فقيل له: إن هناك أربعة أيتام وأرملة في مكانٍ ما في البلد، فرفع يده عن الطعام فذهب به إليهم ومعه نفقة، وكان الوقت شتاء، فخلع رداءه في البرد، وقال: لا ألبسه حتى أخبر أن الطعام والنفقة قد وصلت إليهم.
فأين أغنياء المسلمين عن الفقراء اليوم؛ الذين ينفقون أموالهم في كثير من التراهات والمفاسد، ويستفيد الكفار من الأموال المودعة في الخارج، وفقراء المسلمين يئنون في أطراف آسيا وأفريقيا من الجوع فلا يغيثهم أحد، ولا يتفطن لحالهم أحد، وهؤلاء الذين يبطرون النعمة، لا بد أن يأتيهم من الله عذابٌ في الدنيا أو في الآخرة! وسوف نورد أمثلة وإلا فالتاريخ فيه الصالح والطالح، هذا أحمد بن علي أبو بكر العلوي رحمه الله كان يعمل في تجصيص الحيطان ولكنه كان لا ينقش صورة، لأن نقش الصور لا يجوز، وكان يتكسب من عمل يده، ونجد كذلك أن هناك بلدان في التاريخ الإسلامي كانوا أهل سنة وأهل طاعة، ومن ذلك: بلدة كيلان التي ينتسب إليها الكيلانيون، هذه البلدة وقعت بينها وبين التتر حروب، فطلب ملك التتر منهم أن يجعلوا له طريقاً داخل بلادهم، فامتنعوا، فأرسل جيشاً كثيفاً فأمهلهم أهل كيلان حتى دخلوا البلد، ثم أرسلوا عليهم خليجاً من البحر كان محبوساً بأشياء، أرسلوا السدود على الجيش، ورموهم بالنفط وهو يحترق، فغرق كثيرٌ منهم واحترق آخرون، وقتلوا بأيديهم طائفة كثيرة، وقتلوا أميرهم فلم ينج من التتر إلا قلة.
يقول ابن كثير رحمه الله: وبلادهم من أحصن البلاد وأطيبها لا تستطاع، وهم أهل سنة لا يستطيع مبتدعٌ أن يسكن بين أظهرهم -الله أكبر- لما يظهرون في البلد من الطاعات، فأين مدن المسلمين اليوم التي يعيش فيها كل من هب ودب من الكفرة والمجرمين وأهل البدع وغيرهم، أين هي البلاد التي يتمسك أهلها بالسنة فيكونون مجاهدين في سبيل الله؟!