[علاج مثل هذه الكوارث ودور الدعاة]
وأخيراً أيها الإخوة! ما هو العلاج لهذه الكوارث؟ هناك أملٌ في الله كبير، في الصحوة الإسلامية المباركة التي بدأت تعيشها مجتمعات المسلمين، الأمل في الدين، الأمل في المتدينين، الأمل في المتمسكين بالدين الآن، هم الذين عليهم المعتمد بعد الله في إنقاذ المجتمع من الشرور.
ما هو موقف أولئك المستقيمين على شرع الله؟ كيف ينبغي أن يكون دورهم في علاج ومواجهة مثل هذه المواقف؟ ينبغي أن نتغلغل في أسباب الداء، لماذا لا ينتشر الإصلاح في المجتمع بقوة؟ هناك من أولئك جيل الصحوة أناس عرفوا الله والطريق، وأناس عرفوا الله وأخطئوا الطريق، فتجد من هؤلاء من يحدث عنده تفريط فيتقوقع على نفسه وعلى بعض إخوانه الطيبين، وينزوي عن المجتمع، ويقول: مالي وللناس، مالي وللبيت، مالي ولأهلي، وقد يصيبه الاشمئزاز من بعض ما يفعلونه، فيتركهم ويبتعد عنهم، ويقول: أنا الآن علي بنفسي ولا شغل لي بالآخرين، لو كانوا إخواني أو أخواتي أو أمي وأبي ليس لي علاقة، ويقول: أنا الآن فقط أربي نفسي.
فهذا تفريط وإهمال، لماذا تتخلى عن المسئولية؟ هل أنت تدخل في قول الله عز وجل: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:٦] أم لا تدخل؟ إذاً لماذا تتخلى الآن عن المسئولية؟ ولماذا تنطوي وتنعزل وتتقوقع على نفسك؟ وفي الجانب الآخر يوجد نوع من الإفراط في الأمر، وأخذ المسألة بالعنف، بعض الناس يريدون أن يصلحوا البيوت والمنكرات والانحرافات بالعنف والشدة المنافية للحكمة التي أمر الله بها، فتأتي النتائج غالباً عكسية، ويتضاعف الكره للدين وللمتدينين.
ولذلك أيها الإخوة: يجب أن يكون دور أولئك المستقيمين على شرع الله، الملتزمين بدين الله في بيوتهم دوراً إيجابياً، ويجب على أولئك الناس الذين هم أفراد من جيل الصحوة أن يستشعروا المسئولية التي أناطها الله بهم، والتي شرفهم الله بالقيام بها، ينبغي على كل واحد من هؤلاء أن يبني شخصية قوية داخل بيته، قوية للإسلام واعية، تقوم بواجب الدعوة إلى الله والتوجيه، وتواجه الانحرافات بالحكمة، وبإقامة البرهان والدليل، وباللجوء إلى القوة في الوقت المناسب، وفي الإنكار بدرجات الإنكار حسب المصلحة الشرعية.
على أولئك أن يبدءوا بنشر الوعي الإسلامي في البيت بنشر الكتاب الإسلامي، ونشر الشريط الإسلامي، وفتح القنوات أمام أهل البيت حتى يذهبوا إلى المحاضرات والدروس، وأن يأتوا لهم بالمجلات الطيبة، والكتب الإسلامية الطيبة، يجب على كل واحد من أولئك الشباب وغيرهم من الكبار ممن هداهم الله عز وجل أن يكون لهم دور إيجابي في بيوتهم، يؤثرون على آبائهم وأمهاتهم، وإخوانهم وأخواتهم، وأن يربطوا إخوانهم -مثلاً- بأصدقاء طيبين، وأن يبعثوهم إلى الأماكن الطيبة، لتبدأ تلك البذور في التفتح، وتختفي الانحرافات التي وجدت في بيئات الشر والفساد.
ويجب على الشاب ألا يحتقر نفسه، وكثيرٌ منهم ولله الحمد بدأ لهم ثقل واضح في المجتمع، وبدأ لهم وزن في الأوساط الاجتماعية، فكثير من أولئك المستقيمين قد تزوج وأنجب، أو هو يعمل في وظيفة محترمة، وربما صار ينفق جزئياً أو كلياً على أسرته، وتغيرت النظرة إلى كثيرين من أولئك، ولم يعودوا ينتقدون ويعاب عليهم مثلما كانت النظرة الأولى.
فعلى أولئك أن يقدروا أن وزنهم في المجتمع قد تغير، وأن نظرة المجتمع إليهم قد تغيرت، وأن الكثيرين من الغرقى بدءوا يمدون أيديهم طلباً ليد العون، ويطلبون منهم المساعدة، وقد لا يطلبونها منهم تصريحاً، ولكن يتمنون في قرارات أنفسهم أن يأتي من أولئك المتدينين المستقيمين من ينتشلهم من تلك الأوحال، ويعلمهم ويوجههم ويرشدهم.
على أولئك من أفراد جيل الصحوة الإسلامية المباركة -إن صحت هذه التسمية- أو قل المستقيمين الذين هداهم الله، أن يبعدوا أهلهم عن مصادر الشر من الأسواق ونحوها، والأجهزة المفسدة المرئية أو المسموعة أو المقروءة، وعن جيران السوء وأقرباء السوء وأصدقاء السوء، وأن يحبوا الخير لأهليهم ولإخوانهم، وألا يقول واحد منهم: الحمد لله أنا على خير، وليذهب أخي في ستين جهنم، انظر ماذا قال العبد الصالح موسى عليه السلام: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:٢٩ - ٣٢].
إنه يحب الخير لأخيه، ويطلب إشراكه معه، فما كان أنانياً، وما قال: أنا أتفرد بالأمر، وإنما قال: يا رب! فدعا الله أن أشركه في أمري، كي يصبح معيناً لي على طاعة الله.
أنت إذا دعوت إخوانك وأخواتك في البيت، والتزم منهم بدين الله أفراد، فإنك تكون منهم جبهة داخلية في البيت، ويصبح الرأي العام أو أغلبه معك، وتستطيع من خلاله تكوين الرأي العام في البيت، فتغير المنكرات ولو بالقوة المستندة إلى الحكمة أحياناً.
وهناك كثير من البيوت لما التزم فيها الأولاد، وأخرجوا أجهزة الفساد، لم يجرؤ الأب والأم على إعادتها مرة أخرى، ورضخوا وتحسنت أحوالهم، وكم من أب اهتدى على يد ولده، وكم من أم التزمت على يد ابنتها.
ويجب أن يكون لك -أيها الأخ المسلم- موقف من الخلافات العائلية، وهذا جزء من مسئوليتك، فإنه في كثير من الأحيان قد تؤدي الخلافات إلى طلاق مثلاً، أو إلى انفصال، أو إلى هجر الزوجة لزوجها أو العكس، فعليك أن تقوم بدور في تقريب وجهات النظر، وإزالة الشقاق والخلاف، وأن يحل بمجهودك -بعد فضل الله- وئام وحب بين الأطراف المتنازعة، كثير من أولئك يقفون مواقف سلبية وهم يشاهدون الخلافات العائلية الموجودة، لا يحاولون أن يحركوا ساكناً، ولا أن يتوسطوا لإنهاء الخلافات، على أولئك الإخوة أن ينتبهوا لدورهم، وأن يقوموا بالإصلاح: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود:٨٨] {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:٣٥] نتيجة ماذا؟ السعي في الإصلاح.
وأختم هذا الدرس بكلمات لصاحب الظلال يرحمه الله: إن الإسلام دين أسرة، ومن ثم يقرر تبعة المؤمن في أسرته، وواجبه في بيته، والبيت المسلم هو نواة الجماعة المسلمة، وهو الخلية التي يتألف منها، ومن الخلايا الأخرى ذلك الجسم الحي: المجتمع الإسلامي.
إن البيت الواحد قلعة من قلاع هذه العقيدة، ولا بد أن تكون القلعة متماسكة من داخلها، حصينة في ذاتها، كل فرد فيها يقف على ثغرة لا ينفذ إليها، وإلا تكن كذلك سهل اقتحام المعسكر من داخل قلاعه، فلا يصعب على طارق ولا يستعصي على مهاجم، وواجب المؤمن أن يتجه بالدعوة أول ما يتجه إلى بيته وأهله.
واجبه أن يؤمن هذه القلعة من داخلها، واجبه أن يسد الثغرات فيها قبل أن يذهب عنها بدعوته بعيداً، ولابد من الأم المسلمة، فالأب المسلم وحده لا يكفي لتأمين القلعة، لابد من أب وأم ليقوما كذلك على الأبناء والبنات، فعبث أن يحاول الرجل أن ينشئ المجتمع الإسلامي بمجموعة من الرجال، لابد من النساء في هذا المجتمع، فهن الحارسات على النشء، وهو بذور المستقبل وثماره، ومن ثم كان القرآن يتنزل للرجال والنساء، وكان ينظم البيوت ويقيمها على المنهج الإسلامي، وكان يحمل المؤمنين تبعة أهليهم، كما يحملهم تبعة أنفسهم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:٦].
هذا أمر ينبغي أن يدركه الدعاة إلى الإسلام، وأن يدركوه جيداً.
إن أول الجهد ينبغي أن يوجه إلى البيت إلى الزوجة إلى الأم، ثم إلى الأولاد وإلى الأهل عامة، ويجب الاهتمام البالغ بتكوين المسلمة لتنشئ البيت المسلم، وينبغي لمن يريد بناء بيت مسلم أن يبحث له أولاً عن الزوجة المسلمة، وإلا فسيتأخر طويلاً بناء الجماعة الإسلامية، وسيظل البنيان متخاذلاً كثير الثغرات، وفي الجماعات المسلمة الأولى كان الأمر أيسر مما هو عليه في أيامنا هذه، كان قد أنشئ مجتمع مسلم في المدينة يهيمن عليه الإسلام، يهيمن عليه بتصوره النظيف للحياة البشرية، وكان المرجع فيه من النساء والرجال جميعاً إلى الله ورسوله، وإلى حكم الله ورسوله.
ولكن نحن الآن في موقف متغير، نحن نعيش في جاهلية، جاهلية مجتمع، جاهلية تشريع، وجاهلية أخلاق، وجاهلية تقاليد، وجاهلية نظم وجاهلية آداب، وجاهلية ثقافة كذلك، والمرأة تتعامل مع هذا المجتمع الجاهلي، وتشعر بثقل وطأته الساحقة حين تهم أن تلبي دعوة الإسلام، سواءً اهتدت إليه بنفسها، أو هداها إليه رجلها زوجها أو أخوها أو أبوها، ولذلك فإنها ستجد كثيراً ممن يعاديها.
فلابد من إنشاء البيت المسلم، وإنشاء القلعة المسلمة، ويتعين على الآباء المؤمنين الذين يريدون البعث الإسلامي أن يعلموا أن الخلايا الحية لهذا البعث وديعة في أيديهم، وأن عليهم أن يتوجهوا إليهن وإليهم بالدعوة والتربية والإعداد قبل أي أحد آخر، وأن يستجيبوا لله وهو يدعوهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.