أيها المسلمون: ويوم القيامة يتجاوز الله برحمته عن سيئات لا يعلمها إلا هو، لقد رحم الله أقواماً ورحم أفراداً، وجاءت قصصهم متوالية برحمة الله إياهم رغم عظم ذنوبهم وكثرة سيئاتهم، (يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا -ملء الأرض- ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً أتيتك بقرابها مغفرة).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(كان في بني إسرائيل رجلٌ قتل تسعة وتسعين رجلاً، ثم خرج يسأل فأتى راهباً فسأله، فقال له: هل من توبة؟ قال: لا.
فقتله، فجعل يسأل، فقال له رجلٌ -وهو أحد العلماء-: ائت قرية كذا وكذا، فأدركه الموت فناء بصدره نحوها -نحو القرية الصالحة- فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه الأرض -التي هي من جهة القرية الصالحة- أن تقربي، وأوحى الله إلى هذه الأرض -التي هي من جهة قرية السوء- أن تباعدي، وأرسل ملكاً يحكم بين ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له) وقد قتل مائة، لكن جاء تائباً مقبلاً على ربه.
وفي قصة أخرى يقول صلى الله عليه وسلم:(أسرف رجلٌ على نفسه، فلما حضره الموت أوصى بنيه، فقال: إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم أذروني في البحر، فوالله لئن قدر عليَّ ربي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً، ففعلوا ذلك به، فقال الله للأرض: أدي ما أخذت، فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتك يا رب، فغفر له بذلك).
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم:(ذكر رجلاً فيمن كان سلفا أو قبلكم آتاه الله مالاً وولداً، فلما حضر قال لبنيه: أي أبٍ كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإنه لم يبتئر عند الله خيراً -فسرها قتادة: لم يدخر، ما عمل خيراً قط- وإن يقدم على الله يعذبه -يقول لأولاده وهو على فراش الموت- فانظروا فإذا مت فأحرقوني حتى إذا صرت فحماً فاسحقوني، ثم إذا كان ريحٌ عاصفٌ فأذروني فيها، فأخذ مواثيقهم على ذلك، ففعلوا، فقال الله: كن، فإذا هو رجلٌ قائم، ثم قال: أي عبدي! ما حملك على ما فعلت؟ قال: مخافتك، أو فرقٌ منك، فما تلافاه أن رحمه الله).
اللهم اجعلنا ممن رحمتهم، وأدخلنا الجنة بغير حساب، اللهم لا تعذبنا فإنك علينا قادر، اللهم إنا نسألك عافيتك ورحمتك التي وسعت كل شيء، فلا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وفرج كربتنا يا أرحم الراحمين.