كان القرآن الكريم ينزل لتصحيح التصورات وإيجاد التصورات الصحيحة، يقول الله تعالى مثلاً في قصة حاطب رضي الله عنه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}[الممتحنة:١] قاعدة تبين تصوراً من التصورات الإسلامية العظيمة، إنها قاعدة إسلامية، صحيح أنها جاءت في حدث معين، لكنها قاعدة يجب أن ترسخ.
وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يبين لأصحابه عندما تبدر من الواحد منهم بادرة سوء أو خطأ؛ يبين له أصل الداء، فمثلاً حديث أبي ذر رضي الله عنه:(جاء المعرور بن سويد فقال: مررنا بـ أبي ذر في الربذة وعليه برد وعلى غلامه مثله، فقلنا: يا أبا ذر لو جمعت بينهما كانت حلة -استغربوا من البرد الذي على الغلام- فقال أبو ذر رضي الله عنه: إني ساببت رجلاً -كان بيني وبين رجلٍ كلام وهو من إخواني، وفي رواية أنه بلال رضي الله عنه وكانت أمه أعجمية- فنلت منها، وقلت له: يا بن السوداء، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أساببت فلاناً؟ قلت: نعم، قال: أعيرته بأمه؟ فقلت: من سب الرجال، سبوا أباه وأمه، قال: إنك امرؤ فيك جاهلية) لم تتخلص من آثار الجاهلية بالكلية، فيك شائبة، (قلت على حين ساعتي هذه من كبر السن) -كأن أبا ذر رضي الله عنه تندم، قال: الآن ارتكبت هذه المعصية وأنا على كبر سني ولا يليق بي أن أفعل ذلك- (قال: نعم، هم إخوانكم خولكم -يعني: خدمكم- جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده؛ فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس -ولذلك كان قد كسا غلامه الحلة- ولا يكلفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه؛ فليعنه عليه) رواه البخاري ومسلم وأبو داود، وألفاظه مجموعة بعضها إلى بعض.
فالنبي صلى الله عليه وسلم لما سمع الكلمة أراد أن يعيدها إلى الأصل قال:(إنك امرؤ فيك جاهلية) ولذلك ينبغي علينا أن نتخلص من شوائب الجاهلية في أنفسنا، وأن نخلع على عتبة الإسلام كل أردية الجاهلية، ونغير من أفكارنا التي فيها انحراف أو قصور أو جهل، وينبغي أن نضع بدلاً منها قواعد الدين وأسس الشريعة والتصورات الشرعية.