الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين.
أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، الحكمُ العدْلُ:{وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}[الكهف:٤٩].
وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
عباد الله! إن من الظلم العظيم أن يظلم الرجل زوجته التي هي عانية عنده وأسيرة وضعيفةٌ، ومحتاجةٌ إلى نفقته وحمايته، فيعمد كثيرٌ من الأزواج إلى ظلم زوجاتهم، فيمنع النفقة عن زوجته أو يضربها ضرباً مبرحاً غير الذي أمر به الشارع، أو يضربها مع أنه هو الظالم وهي المظلومة.
ويُرى آثار الضرب في جلدها اخضراراً وازرقاقاً، وربما أسال الدم، وهكذا يفعل بعض الظلمة من الأزواج الذين لا يخافون الله؛ يضرب الرجل بكل قوته على جنب المرأة وجسدها في ضعفها؛ بكل قوته على ضعف جسدها ينهال عليها ضرباً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(يجلدها جلد العبد) وهذا من الظلم، وستأخذ من حسناته يوم القيامة.
ومن الظلم لها أن يمنع عنها النفقة، أو يأخذ أموالها إذا كانت موظفة، ثم يقول لها: إذا أردت أن تقترضي مني فاقترضي وسددي، والمال مالها، وقد أخذ أحدهم من أموال زوجته فوق مائتي ألف لينفقها على نفسه وقرناء السوء في الخمر والحرام، فلما قالت له: اختر أنا أو قرين السوء صاحبك، قال: أختار صاحبي وأنتِ اخرجي من البيت، هكذا يتبجح بعضهم، وهذا من ضمن المآسي الاجتماعية التي تعيشها بُيوتنا.
الزوجة لا تُحس بالأمان لأنها معرضة للطرد في أي لحظة، ولو في جوف الليل، ربما يضربها وهي حامل، تقي جنينها من الضرب، وهو لا يرحم الولد ولا أمه، فهذا ظلم والله لا يحب الظالمين، فكيف يلقى الله تعالى؟! من الظلم الذي وصفه الله من ظلم النساء أن يمسكها بعد طلاقها ليزيد عليها العدة، كما قال الله تعالى:{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا}[البقرة:٢٣١] فهذا ظلم، يمسكها ضراراً إلى آخر العدة وقبيل أن تنتهي يردها بعد الطلقة الأولى، ثم يطلق ويمسكها إلى قبيل انتهاء العدة في الطلاق الثاني، ويردها لتطول عليه العدة ولا تذهب إلى غيره، وليس له فيها حاجة.
ولذلك لما لاعن عويمر زوجته في قصة الملاعنة المشهورة قال بعدما تمت الملاعنة: يا رسول الله إن حبستها فقد ظلمتها، فهو يقول: بعدما رأيتها في الفجور والزنا وتمت الملاعنة، فقد كذبتها، وإن أبقيتها عندي -ولا يمكن أن أطيقها- فقد ظلمتها، فهي طالقٌ طالقٌ طالق، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت سنةً لمن كان بعدهما من المتلاعنين الانفصال التام والنهائي إلى آخر العمر، لا يردها ولو بعد زوج، وتلك هي التفرقة الكبرى؛ بين الملاعن والملاعنة، فالزوجة تخرج إلى الأبد ولا تبقى عنده وهو لا يريدها.