للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحمل الصحابة للغربة والعذاب في سبيل الله]

لقد تحمل الصحابة الغربة في سبيل الله، تقول أسماء بنت عميس التي هاجرت إلى الحبشة: [وكنا في دار، أو في أرض البعداء، أو البغضاء في الحبشة، وذلك في الله وفي رسول الله -لأجل الله ورسوله، تحملوا الغربة- ونحن كنا نؤذى ونخاف] الحديث رواه مسلم.

تحملوا الأذى والعذاب في سبيل الله.

يقول خباب وقد اكتوى يومئذٍ سبع كيات في البطن لمعالجة أذى مولاته، حيث كانت تطرحه على الأسياخ المحماة، فلا يطفئها إلا شحم ظهره إذا سال عليها، يقول: [لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت، لدعوت بالموت] رواه البخاري.

وهذا بلال معروفة قصته، وكان الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يُضرب حتى إنه لا يقدر أن يستوي قاعداً من الضرب، حفروا الخندق بأيديهم، وبذلوا في سبيل الله، بأيديهم عملوا، ما كان لهم عبيد، حفروا الخندق بأيديهم، في غداة باردة يقول أنس: وهم يقولون:

نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً

كم طول الخندق؟ كم عرضه؟ كم عمقه؟ من أجم الشيخين طرف بني حارثة شرقاً حتى المذاب غرباً، وكان طول الخندق خمسة آلاف ذراع، وعرضه تسعة أذرع، وعمقه من سبعة أذرع إلى عشرة، وكان على كل عشرة من المسلمين حفر أربعين ذراعاً، وقد تولى المهاجرون الحفر من ناحية حصن راتج في الشرق إلى حصن ذباب، والأنصار من حصن ذباب إلى جبل عبيد في الغرب.

وتم الحفر بسرعة وفي الجو البارد والمجاعة، فحفروه في أسبوع، وكان الخندق منتهياً، طعامهم شعير مخلوط بدهن متغير الرائحة، لبثوا ثلاثة أيام لا يذوقون طعاماً، لكن بحرارة الإيمان حفروه.

لما أرادوا اليوم حفر مائة متر في شارع الخندق، تكسرت حفارات، واستسلم مقاولون، وحفره آخرون في شهر مائة متر، في شهر الآن في هذا الزمان في نفس المنطقة، وكل القضية هي تسوية شارع!! وأولئك الصحابة حفروه بأيديهم بأدوات بدائية، هذا عمقه وهذا عرضه وهذا طوله.

فهم جاهدوا على القلة، وأكلوا ورق الشجر كما قال سعد في صحيح البخاري.

وفي حديث سرية الخبط، أكلوا أوراق الشجر حتى تقرحت أشداقهم، وكان أبو عبيدة يعطيهم تمرة تمرة، يقول التابعي: [كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: كنا نمصها كما يمص الصبي، ثم نشرب عليها من الماء، فتكفينا يومنا إلى الليل] جهاد على تمرة في اليوم!! رواه مسلم.