ينقصنا اغتنام الأوقات بطاعة رب البريات، قعد أحد السلف إلى رجل يقص له شاربه، فصار يذكر الله أي حرك الشفتين، فتضايق الحلاق، قال: اقفل حتى تقص، قال: أنت تعمل وأنا أعمل.
ومرة جاء ابن حجر رحمه الله إلى المدرسة المحمودية ليخرج المفتاح، فاتضح له أنه نسي المفتاح في البيت، فأمر بنجار يأتي ليعمل مفتاحاً، وقام يصلي -فوراً قام يصلي- فجاء النجار وعمل المفتاح، فقال أحد الطلاب: لو أمرتني، لذهبت إلى بيتك وأتيتك بالمفتاح، فقال: نعمل في الوقت والمفتاح الثاني يفيدنا.
وكان بعض العلماء يقلل الأكل؛ لأنه يحتاج إلى شغل ودخول الخلاء زيادة، والبخاري قال:
اغتنم في الفراغ فضل ركوعٍ فعسى أن يكون موتك بغتة
وكان بعض العلماء إذا قرأ عليه التلميذ من كتاب، والتلميذ عنده خطأ، أو عنده في الكتاب خطأ، فالتلميذ سيسكت عن القراءة ليصلح الخطأ، فكان الشيخ إذا توقف التلميذ، يذكر الله بصوت خفي حتى يفرغ الطالب من تصحيح الخطأ ويعاود القراءة، ولذلك من تأمل السلف في اغتنامهم لأوقاتهم، يقول أحدهم: لا يحل لي أن يذهب عني وقت بدون طاعة، تدريس، أو دراسة، أو قراءة، أو تلاوة، وحتى إذا استلقى ليرتاح وغمض عينيه، فهو يذكر الله، وحتى لو ما ذكر الله، فهو يتأمل في المسائل ويتأمل في عظمة الله تعالى، هكذا كانوا يفعلون، ونحن ينقصنا هذا المبدأ نقصاً شديداً.