وإذا جئنا إلى قضية دراسة الفنون المختلفة لطالب العلم، فقد ذكروا أن المغاربة لهم منهج، فإنهم ينهون العلوم فناً فناً، أول شيء يحفظ القرآن، وإذا انتهى منه حفظ كذا، ثم ينتقل وهكذا، ثم المتون المختلفة، فينهي متن في اللغة، ثم متن في الأصول، ومتن في المصطلح، ومتن في الفرائض، وهذه المتون يعتنون بها ويحفظونها حفظاً شديداً، ومن أشهرهم الشناقطة، وهذه طريقة أهل المغرب، يقولون: نُنهي الفنون فناً فناً، ويقولون: الذي يجمع بين علمين كالتوأم، يريد أن يخرجا معاً ولا يمكن، لابد أن يخرج أحدهما قبل الآخر، وربما لا يزيدون على بيت واحد في اليوم، هذه طريقتهم، ولو زاد ربما ضربه المعلم.
أما المشارقة فإنهم يجمعون بين أكثر من علم في الوقت نفسه، مثلما حدّثوا عن النووي أنه كان يقرأ تسعة علوم في وقت واحد، أو اثنا عشر درساً في اليوم، في التفسير، والمصطلح، والأصول، والحديث، واللغة، والفرائض أنواع مختلفة من العلوم، فيكون الدرس الواحد فيه عدة علوم، هذه الطريقة قد تكون أشمل، لكن الطريقة الأولى أثبت على المدى البعيد.
وعموماً فإن المسألة تختلف باختلاف الهمم والطاقات والمواهب والأحوال والبلدان وطريقة الشيخ، فإن بعض النفوس تمل، لا يمكن أن تقول: اجلس سنتين إلى أن تنهي مثلاً متن في اللغة، أو متن في الأصول، أنا أجلس سنتين في الأصول، دائماً أصول يصاب بالملل، فالطريقة تعتمد على الأحوال، وتختلف باختلاف الأحوال، الناس فيهم الملول وفيهم الصبور، وهذا بالنسبة لقضية تنوع الفنون في الطلب في وقت واحد، ولكن هناك أولويات.