ولذلك العلماء لما تكلموا في موضوع الزلازل -ونقصد علماء الشريعة- تكلموا في هذا المبحث عن اللجوء إلى الله، تكلموا عن الصلاة وهل يصلى للزلازل كصلاة الكسوف أم لا؟ وهل يجتمع الناس للصلاة أم أنهم يصلون متفرقين؟ أخرج البيهقي بإسناد صحيحٍ عن ابن عباس في زلزلة بـ البصرة فأطال القنوت، ثم ركع، ثم رفع رأسه، فأطال القنوت، ثم ركع، ثم رفع رأسه فأطال القنوت، ثم ركع وسجد فقام في الثانية ففعل مثل ذلك، فصارت صلاته أربع ركعات وست سجدات، قال ابن عباس: هكذا صلاة الآيات، هذا قولٌ من أقوال أهل العلم يصلى لها كصلاة الكسوف، وعن جعفر بن برقان قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز في زلزلة كانت بـ الشام: " اخرجوا يوم كذا، ومن استطاع منكم أن يخرج صدقة فليفعل؛ لأن الله تعالى يقول:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}[الأعلى:١٤ - ١٥] وإسناده حسن.
قال الشافعي رحمه الله في الصلاة للزلازل: آمر بالصلاة منفردين، ويستحب أن يصلي منفرداً ويدعو ويتضرع لئلا يكون غافلاً، إذ بالرغم من هذه الأشياء يغفل الناس وهذه مصيبة، كل هذا التذكير وهذا التخويف ثم الناس قلوبهم جامدة، يتحدثون في الأشياء العلمية، فلئلا يكون غافلا يصلي منفرداً، يصلي ويدعو ويتضرع إلى الله سبحانه وتعالى.
النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا حزبه أمر، إذا كربه أمر أقبل على الصلاة، قال: وكذلك سائر الآيات كالصواعق والريح الشديدة، وقال الإمام أحمد رحمه الله: يصلى للزلزلة الدائمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الكسوف بأنه آية يخوف الله بها عباده، والزلزلة أشد تخويفاً، فأما الرجفة فلا تبقى مدة تتسع للصلاة، فإذاً من العلماء من قال: يصلون مثل صلاة الكسوف جماعةً، وبعضهم قال: يصلون منفردين، كالإمام الشافعي رحمه الله، وبعضهم قال: صلاة عادية: (إذا رأيتم الآيات فاسجدوا) رواه أبو داود بسندٍ صحيح.
فإذاً ينبغي الفزع للصلاة والخروج من المباني عند الزلزال ليس من الأمور المذمومة، وإنما هو اتخاذ أسباب النجاة، لكن بالأناة والرفق والحكمة، وقد كان المسلمون يفزعون إلى الصلاة عندما تحدث فيهم الزلازل، والزلازل قد حدثت، فمن الأمور ما قال الإمام الذهبي رحمه الله في كتابه العبر في حوادث سنة (٢٣٢ للهجرة): كانت الزلزلة المهولة بـ دمشق ودامت ثلاث ساعات، وسقطت الجدران وهرب الخلق إلى المصلى يجأرون إلى الله، وهذا هو الشاهد، ومات كثيرٌ من الناس تحت الردم، وامتد إلى أنطاكية، وفي حوادث سنة (٢٣٣ للهجرة) ذكر ابن عساكر رحمه الله في تاريخ دمشق فقال: زلزلت دمشق يوم الخميس ضحى فقطعت ربع الجامع وتزايلت الحجار العظام -يعني: عن أماكنها- ووقعت المنارة، وسقطت القناطر والمنازل وامتدت في الغوطة، فأتت على دارية والمزة وبيت لهية وغيرها، وخرج الناس إلى المصلى يتضرعون إلى قريبٍ من نصف النهار فسكنت الدنيا، وعاد الأمر إلى الهدوء، وهذا هو الشاهد.
ومن الأمور التي تندب عند حدوث هذه الآيات وعظ الناس وتخويفهم بالله سبحانه وتعالى، أخرج ابن أبي شيبة في المصنف بسندٍ حسن عن صفية بنت أبي عبيد زوجة عبد الله بن عمر قالت:[زلزلت الأرض على عهد عمر حتى اصطفقت السرر، فخطب عمر الناس، فقال: أحدثتم، لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم] قال: ما حصل إلا بسبب أمرٍ ارتكبتموه، وذنوب اقترفتموها، قال:[أحدثتم، لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم] يعني: يعظهم ويذكرهم بالله سبحانه وتعالى، هذا ما ينبغي فعله من اللجوء إلى الله والصدقة، وقال العلماء: العتق وهو من أنواع الصدقات.
فإذاً اللجوء إلى الله والذكر والتضرع والدعاء والصدقات، نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا آمنين مطمئنين، وأن يدفع عنا الزلازل والمحن والبلايا، وأن يجعلنا وإياكم ممن بات في سربه آمناً، وممن حفظه الله بالإسلام قائماً وقاعداً.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.