[النصيحة بالقدوة]
الحمد لله الذي لا إله إلا هو، لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، أحمده سبحانه وتعالى، وأثني عليه الثناء الحسن لما هو أهله، المستحق لكل مدح وكل حمد، وأصلي وأسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم معلم الناس الخير.
أيها الإخوة من أعظم طرق النصيحة وأجلها على الإطلاق: النصيحة بالقدوة من غير كلام، أن ينصح الإنسان من غير كلام، تقول لي: كيف هذا؟ أقول لك: إن المسلم مطالب بأن يكون قدوة أمام المسلمين، ولذلك كان من دعاء عباد الله الصالحين الذين أثنى الله عليهم في آخر سورة الفرقان أنهم قالوا: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:٧٤] اجعلنا أئمة يقتدي بنا المتقون: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:٧٤] فانظر إلى شرف المنزلة وعلو الدرجة التي يطلبونها من الله عز وجل، أن يكون الإنسان إماماً للمتقين قضية خطيرة وعظيمة لا يصل إليها إلا من وفقه الله تعالى فبذل الأسباب وأخلص لله عز وجل.
النصيحة بالقدوة -أيها الإخوة- يراك الناس تتصرف التصرف الصحيح في موقف من المواقف، فينتصحون بفعلك وعملك، فيقلدونك ويتابعونك، وهذه القصة المشهورة وإن كان المحدث الشيخ/ أبو عبد الرحمن ناصر الدين قد أخبر مشافهةً بأنه ليس لها سند يعرف للحكم عليها، ولكن فيها مغزى وفيها عبرة عظيمة وفيها تعليم جميل، وهذا الحدث ليس بمستبعد أبداً على أناس وردوا حوض التربية النبوية، فتضلعوا منه وشربوا منه شربةً عظيمة، إنهما الحسن والحسين رضي الله عنهما، ذكر في مرة من المرات بأنهما دخلا مكاناً للوضوء، فوجدا رجلاً من المسلمين يسيء الوضوء، أي: لا يتوضأ وضوءاً طيباً، فيهمل الوضوء كما يفعل كثير من المسلمين اليوم، تجد أحدهم يغسل يده، فلا يصل إلى المرفق مطلقاً، ويغسل قدمه، فلا يصل إلى العقب مطلقاً، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ويلٌ للأعقاب من النار).
دخل الحسن والحسين على هذا الرجل وهو يتوضأ، فرأيا سوء وضوئه، وهما يعلمان بأن الله لا يقبل صلاة بغير وضوء صحيح.
ما هي الطريقة الآن لنصح الرجل؟ ما هي أمثل طريقة لتعليم الرجل من غير جرح لكبريائه وهو شيخ يفوقهما سناً، والكبير عادةً لا يتقبل من الصغير.
فنظر الحسن والحسين إلى بعضهما نظرةً ذات مغزى، ثم اقتربا من الرجل، فقالا له: يا أبانا أو يا شيخ! إني أنا وأخي قد اختصمنا أينا أحسن وضوءاً، أنا أقول أنا أحسن وضوءاً من أخي، وأخي يقول: هو أحسن وضوءاً مني، فأردنا أن نحتكم إليك لتحكم بيننا أينا أحسن وضوءاً من الآخر، فتقدم الحسن فتوضأ وضوءاً نبوياً كاملاً، وأسبغ الوضوء، ما ترك شيئاً من سننه، ثم تقدم الحسين لما فرغ الحسن، فتوضأ وضوءاً نبوياً كاملاً، وأسبغ الوضوء، ما ترك شيئاً من سننه، ثم التفتا إلى الرجل ينتظران منه الحكم، فوقع هذا العمل في قلب الرجل أشد موقع، وقال لهما بلسان معترف مستجيب: بل أنا والله الذي لا يحسن الوضوء، وأنتما علمتماني كيف أحسن الوضوء.
أيها الإخوة: هذه العناصر ما نشأت من فراغ، هناك قصص صحيحة ثابتة كثيرة تبين كيف كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أئمة يقتدي به عامة الناس، هذه الشخصيات ما نشأت من فراغ، وإنما نشأت من تربية صحيحة قائمة على قواعد الإسلام وأصوله، محكمة من جميع أطرافها، أنتجت هذه النماذج التي صارت قدوة يقتدي بها الغادي والرائح والمتقدم والمتأخر من أبناء المسلمين، لذلك كان لا بد أن يجعل كل إنسانٍ منا من نفسه قدوةً ينصح الآخرين بأفعاله قبل أن ينصحهم بأقواله.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لأن نتقي الله عز وجل حق التقوى، وأن نتمسك بالعروة الوثقى، وأن يجعلنا على الملة الحنيفية واتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله الذي لا إله إلا هو، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، أن تحيينا على ملة الإسلام، وتميتنا على ملة الإسلام، وأن تجعل خروجنا من الدنيا على شهادة التوحيد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك، اللهم اجعلنا من الدعاة العاملين المجاهدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الدين أجمعين في برك وبحرك وجوك، اللهم لا تجعل لهم قائمةً، اللهم إن اليهود قد حرمونا من شد الرحال وأجر الصلاة في المسجد الأقصى، اللهم فأحنهم الغداة، واجعل بأسهم بينهم يا رب العالمين، اللهم شردهم وفرق جمعهم، واجعل دائرة السوء عليهم، اللهم إنهم قتلوا أبناءنا ويتموا أطفالنا ورملوا نساءنا، اللهم لا تبق منهم على الأرض ديارا، اللهم إنك أنت المنتقم الجبار، اللهم اجعل بأسهم بينهم، وسلط عليهم بأسك وجنداً من عندك، فلا تقم لهم قائمة أمام المسلمين.
اللهم وألف بين قلوب المسلمين، واجمعهم على كلمة الحق المبين، واجعلهم صفاً واحداً بالعقيدة متمسكين ولسنة نبيك متبعين، وحرباً على أعدائك، وسلماً لأوليائك يا أرحم الراحمين.