الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً.
لقد كانت وفاة عمر فاجعة، فُجع بها القريب والبعيد، كان عمر هو الباب الذي يدرأ عن المسلمين الفتن، فلما كسر الباب باغتيال عمر دخلت الفتن على المسلمين من كل جانب.
عن عوف بن مالك الأشجعي أنه قال: رأيت في المنام كأن الناس جُمعوا، فكأني برجلٍ قد صرعهم سوطهم بثلاثة أذرع -أطول من الجميع- قال: قلت من هذا؟ قالوا: عمر بن الخطاب، قال: قلت لِمَ؟ قال: إنه لا تلومه في الله لومة لائم، وإنه خليفةٌ مستخلف وشهيدٌ مستشهد، قال: فأتيت أبا بكر فقصصتها عليه، قال: فأرسل إلى عمر يبشره، فقال لي: اقصص رؤياك، فلما بلغ إلى خليفةٍ قال: زجرني وانتهرني، قال: تقول هذا وأبو بكر حي، قال: فسكت، فلما ولي عمر كان بعد بـ الشام مررت به وهو على المنبر فدعاني فقال لي: اقصص رؤياك، قال: فلما بلغت لا يخاف في الله لومة لائم، قال: إني لأرجو أن يجعلني الله منهم، وأما خليفةٌ مستخلف فقد والله استخلفني فأسأله أن يعينني على ما ولاني، قال: فلما بلغت وشهيداً مستشهد، وأنى الشهادة وأنا في جزيرة العرب، ثم قال عمر مستدركاً: يأتي الله بها أنى شاء، يأتي الله بها أنى يشاء.
ورأى عمر في منامه أن ديكاً ينقره نقرات، وكان لا يُدخل الأعاجم إلى جزيرة العرب، فدخل بعضهم متسترين بالإسلام، وكان من سياسة عمر، ألا يدخلهم، دخلوا فأقاموا، فكان منهم الحاقد الفارسي المجوسي أبو لؤلؤة الذي قال لـ عمر متوعداً: لأصنعن لك رحىً يتحدث بها الناس، فقال عمر: توعدني العبد، وبعد أيام اختبأ له وراء باب المسجد في الظلام في صلاة الفجر، فلما سجد عمر قفز عليه فطعنه في كتفه وخاصرته، فقال عمر: قتلني الكلب، ثم صمت، ثم سمع الناس قراءة ابن عوف وطار العلج في الناس -في صفوف المصلين- ينحر يميناً وشمالاً، فقتل ستة من الصحابة، وحمل عمر مطعوناً، وجعلوا يشربونه اللبن فيخرج من الجرح، فعلموا أن الأمر قد انتهى، فأوصى عمر ووعظ الناس وذكرهم بالله وانتقل إلى الرفيق الأعلى، في قصة مشهودة عظيمة جداً أخرجها الإمام البخاري في صحيحه.
كانت وفاة عمر شديدة الوطأة على القريب والبعيد، قال المسيب بن رافع: سار إلينا عبد الله بن مسعود سبعاً من المدينة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن غلام المغيرة أبا لؤلؤة قتل أمير المؤمنين عمر، قال: فضج الناس وصاحوا واشتد بكاؤهم، قال: ثم قال ابن مسعود: إنا اجتمعنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأمرنا علينا عثمان بن عفان، فأخبرهم الخبر والمكيدة، قال عبد الله بن مسعود: لقد أحببت عمر حباً حتى لقد خفت الله -من شدة حب عمر خفت الله- ولو أني أعلم أن كلباً يحبه عمر لأحببته، ولوددت أني كنت خادماً لـ عمر حتى أموت، ولقد وجد فقده كل شيءٍ حتى العضاة -شجرة الشوك-.
إن إسلامه كان فتحاً، وإن هجرته كانت نصراً، وإن سلطانه كان رحمة، ذلكم عمر ومناقبه كثيرة جداً وهذا شيءٌ قليل منها، والمقصود: أن لهؤلاء حقاً علينا في معرفة سيرهم، وإن هؤلاء منارات نقتدي بهم، وإن في تذكر هؤلاء سبباً لحنين المسلم إلى أيام الخلافة ورغبته في عدلٍ كعدل عمر، وقد طبق الأرض اليوم الظلم والجور، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيد للإسلام عزه، وأن يقيم الخلافة في أرجاء الأرض.
اللهم ردنا إلى الإسلام رداً جميلاً، اللهم اجعلنا ممن أقاموا الشريعة وعملوا بها، اللهم اجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين في تحكيم شرعك يا رب العالمين، اللهم ارفع الظلم عن المظلومين، اللهم انصر من نصر الدين.