[المآخذ على لفظ العشق]
هذا اللفظ -وهو العشق- ليس مأثوراً عن السلف، وباب الأسماء والصفات يُتبع فيها الألفاظ الشرعية، فلا نطلق إلا ما ورد في الأثر، وهذا الكلام باطل من وجوه ذكرها رحمه الله وسنأتي عليها إن شاء الله.
فاستخدام كلمة العشق في وصف العلاقة بين العبد والرب مرفوض لأسباب: السبب الأول: أن هذه الكلمة غير مستخدمة في النصوص الشرعية، فمثلاً قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥] ما قال عشقاً، وإنما قال (حباً لله) أن يحب الله ورسوله، فإذاً نقف مع الكلام المستخدم ونتأدب مع الله ورسوله ولا نستخدم ألفاظ لم تستعمل في الكتاب والسنة.
السبب الثاني: أن المعروف من استعمال هذا اللفظ إذا رجعنا إلى اللغة العربية، أن كلمة العشق محبة جنس النكاح، ومحبة الإنسان الآدمي لمثله من امرأة أو صبي بالشهوة بالحلال أو الحرام، امرأة في النكاح مثلاً أو في الزنا، فلا يكاد يُستعمل هذا اللفظ في غير هذا الموضع في اللغة، فلا يقال: إن فلاناً يعشق ولده أو يعشق أقرباءه، أو يعشق وطنه، أو يعشق ماله أو يعشق دينه.
وكذلك فإنها لا تُستعمل في الأشياء المعنوية، فلا يقال: عشقت في فلان كرمه وشجاعته وعلمه ودينه وإحسانه إطلاقاً، فاستعمالات العشق عند العرب في اللغة العربية: العشق في محبة النكاح ومقدماته، فالعاشق يريد الاستمتاع بالنظر إلى المعشوق وسماع كلامه، ومباشرته بالحس تقبيلاً ومعانقةً ووطئاً.
ولكن كثيراً من العُشاق كان لا يختار الوطء، ويقول: إذا نكح الحب فسد، فيبقون على قضية هذه العلاقات التي ما دون الوطء ولكن كثير منهم في النهاية أوصلهم العشق إلى الزنا وما هو أسوأ من الزنا.
فاستعمال العشق الآن في العلاقة بين العبد وربه لا يصح، وإذا كان الآن هذا أصله اللغوي واستعماله في اللغة فهذه مصيبة، فإنه يُفهم أو يُوهم معنىً فاسداً للغاية، وهذا المعنى من أعظم الكفر.
وللعلم فإن الاتحادية الكفرة -الذين يقولون: إن الله عين الموجودات، وكل ما ترى بعينك فهو الله- قالوا كلاماً عظيماً سيئاً جداً جداً عندما جمعوا بين العشق وبين العقيدة الاتحادية فقالوا: ما نكح سوى نفسه فهو الناكح والمنكوح، تعالى الله عن قولهم.
انظر الآن ماذا يلزم، تقول لهم: أنتم تقولون كل شيء هو الله، الرجل هو الله والزوجة هي الله، يقولون: نعم، إذاً هذا ينكح هذا، يقولون: ما نكح إلا نفسه، تصوّر إلى أي درجة يصل هؤلاء بالكفر، أصحاب ابن عربي الذين يحجون إلى قبره في الشام، ويعبدونه من دون الله، هذه مقالتهم، والحلاج الذي يعملون له الآن رسائل ماجستير ودكتوراه، يسمونه شهيد الثورة، وابن الفارض تحقق كتبه، وابن سبعين فهؤلاء أصحاب عقيدة الاتحاد، وكذلك أصحاب عقيدة الحلول.
وسبق القول ونبه على ذلك شيخ الإسلام رحمه الله: أن النصارى أعقل منهم؛ لأنهم على الأقل يقولون: حل في واحد وهو عيسى، وهؤلاء يقولون: حل في كل المخلوقات، وكل ما ترى بعينك فهو الله، ولذلك يصفونه بما يُوصف به البشر من النكاح، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، هو الأحد الصمد الذي: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:٣ - ٤].
ولذلك كان من الصوفية الاتحادية ومن هؤلاء المنحرفين من يعشق الصور الجميلة ويزعم أن الله قد تجلى فيها، ويقول: هذا من محبتي له، ويقصد بها نوعاً من العبودية وهو كذاب، فمن زعم أن الله يُحب ويُعشق بهذا المعنى فهو أعظم كفراً من اليهود والنصارى.
ثم أيضاً من مفاسد استعمال كلمة العشق في وصف العلاقة بين العبد والرب: أن العشق هو الإفراط في المحبة حتى يُخرج عن القصد والاعتدال، ويكون مذموماً فاسداً، ويفسد القلب والجسم، ولذلك ترى العاشق نحيل لا يشتري طعاماً ولا ينام في الليل، متعب منهك جداً، العشق يُنهكه ويدمر نفسه، لماذا؟ يقولون هذا عاشق وواقع في العشق، فلا يشتهي طعاماً ولا يهنأ بنوم لأن باله كله مع المعشوق، فما عاد يريد أي شيء، إذن وقع في الغلو وصار مفْرِطاً.
فهل يناسب أن تستعمل هذه الكلمة وهي قضية العشق الدالة على الإفراط ومجاوزة الحد لدرجة أن يضر الإنسان بنفسه، أن تستعمل في وصف العلاقة بين العبد والرب؟ ما يمكن، فإن الله لا يُحب محبة زيادة على العدل، ولا يمكن، ولذلك هنا سر عظيم وفائدة بديعة في قضية محبة الله تعالى ألا وهي: (أن محبة الله ليس لها حد تنتهي إليه).
وكذلك يمكن أن نقول أيضاً: (محبة غير الله إذا زادت صارت إفراطاً أو غلواً وانقلبت وصارت مضرة، ومحبة الله مهما زادت فلا تنقلب ولا تصير إفراطاً وغلواً).
فهذه من خصائص عبودية المحبة بين العبد والرب، أن محبة الله ليس لها حد تنتهي إليه، ومهما أحببت ومهما زدت في المحبة لا يمكن أن تقع في غلو أو إفراط، لكن أي شيء آخر مثل محبة الطعام أو محبة الشراب، أو محبة فلان أو محبة فلان، ممكن إذا جاوزت حداً معين تصير غلواً وتصير شركاً، إلا محبة الله تعالى مهما زدت فيها فلا تقع في إفراط ولا في غلو ولا في شيء.
لابد أن يحب العبد ربه حتى يكون الرب أحب إليه من غيره، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم تابعة لمحبة الرب، فلماذا تحب النبي صلى الله عليه وسلم؟ لأن الله تعالى أمر بمحبته وجعله رسوله، وأنزل عليه كتابه، وجعل له الشرف والمكانة بين الخلق والمقام المحمود يوم القيامة.
قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين، ولما قال عمر: يا رسول الله! لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال: لا يا عمر! حتى أكون أحب إليك من نفسك، قال: لأنت أحب إلي من نفسي، قال: الآن يا عمر!).