يقول موسى عليه السلام:(ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلا -خليل الله- فيأتون إبراهيم ويقولون: يا إبراهيم! أنت نبي الله، وخليله من أهل الأرض، قم اشفع لنا إلى ربك، فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي من ربه منها، ليس ذاكم عندي، إني كنت قد كذبت ثلاث كذبات - قوله: إني سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا، وقوله لامرأته: أخبريهم أني أخوك، ما منها كذبة إلا أنه يجادل عن دين الله وما قصد الكذب لأجل الكذب، وإنما أشياء قالها لينافح بها عن دين الله، يعني: كذب في سبيل الله وفي ذات الله، فيتواضع إبراهيم عليه السلام ويقول:- إنما كنت خليلاً من وراء وراء).
فكأنه يقول: لست على منزلة الخليل الذي هو النبي صلى الله عليه وسلم، تواضع وقال: كنت خليلاً من وراء وراء وكأنه يقول: أنا أعطيت الوحي بواسطة جبريل، يحولهم على واحد آخر موسى، لماذا؟ يقول: كلمه الله بلا واسطة، أنا خليل من وراء وراء، أنا مكلم من وراء جبريل بواسطة موسى بدون واسطة اذهبوا إلى موسى.
طبعاً الكلمات التي كذب بها إبراهيم عليه السلام كانت من المعاريض، لأنه لما قال: إني سقيم، يحتمل السقم الذي هو مرض، ويحتمل مرض البدن ويحتمل مرض النفس، مريض من كفركم وشرككم، شرككم سبب لي مرض النفس.
ولما قال: بل فعله كبيرهم هذا هل هو أشار إلى إصبعه تورية، أو أنه أراد أن يسألوا هذا الصنم ويكون ذلك توبيخاً لهم عندما يرجعون إلى أنفسهم ويعلمون أن هذا الصنم لا يتكلم، كيف يسألونه؟ والملك الكافر لما أراد أن يأخذ زوجة إبراهيم، ولو أخبرتهم أنها زوجة إبراهيم يعلم أنه لا سبيل لأخذها إلا بقتل إبراهيم فيقتل إبراهيم، لكن إذا قالت: أخته قد يبقي على إبراهيم حياً ويخطبها منه، ولذلك قال: إذا سألك فقولي له إنك أختي، وهذه لها تأويل أنها أخته في الإسلام.
فالثلاثة هذه من معاريض الكلام، لكن لما كانت صورتها صورة الكذب؛ لأن التورية الآن صورتها صورة كذب، لكنها في الحقيقة ليست بكذب، لكن الصورة صورة كذب، فلأن هذه الثالثة صورتها صورة كذب أشفق منها استصغاراً لنفسه عن الشفاعة، وخشي منها مع أنها توريات وليست كذبات.
وتواضع إبراهيم عليه السلام وقال: أنما كنت خليلاً من وراء وراء، اذهبوا إلى واحد ليس من وراء وراء، موسى كلمه الله وأعطاه التوراة، كليم الله وكلمه تكليماً وقربه نجياً.