للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الناس على الصراط بين ناج وهالك]

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، وأشهد أن لا إله إلا هو الحي القيوم لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، وأشهد أن محمداً رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله: أما حال الناس على الصراط فهم بين ناجٍ وهالك.

ذكر أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في نتيجة مرور الناس، فقال: (فناجٍ مسلم، ومخدوش مكلَم، ومكردس في النار)، وجاء في حديث أبي سعيد عند ابن ماجة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في تصنيف العابرين على الصراط: (فناجٍ مسلم، ومخدوجٌ به ثم ناجٍ، ومحتبسٌ به ومنكوس فيها)، وفي رواية البخاري (فناجٍ مسلم، وناجٍ مخدوش، ومكدوس في نار جهنم)، فاتضح أن الذين يمرون على الصراط ينقسمون إلى أقسام: أولاً: ناجٍ بلا خدش؛ لا تمس منه الكلالبيب والخطاطيف شيئاً، ولا تصيبه النار مطلقا؛ قال الله تعالى: {أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:١٠١]، وقال تعالى: {لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} [الأنبياء:١٠٢]، وذلك من سرعة المرور {لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} [الأنبياء:١٠٢ - ١٠٣]، وأي فزعٍ أكبر من فزع ذلك اليوم؟!! أولاً: ناج بلا خدش.

ثانياً: هالكٌ من أول وهلة، ساقط في النار.

ثالثاً: متوسط بينهما، يصاب ثم ينجو، وكذلك جاء في رواية ابن ماجة: المحتبس به؛ أي: يحبس على الصراط حتى يطلق سراحه.

وأما الناجي بلا خدشٍ، فقد ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ناجٍ مسلَّم) وهؤلاء الذين يعطون نوراً عظيماً لأجل أعمالهم، فينجون ويجوزون، قال صلى الله عليه وسلم في حديث جابر: (ثم ينجوا المؤمنون، فتنجو أول زمرةٍ وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفاً لا يحاسبون)، وهؤلاء هم أولياء الله الذين تعبوا في الدنيا قاموا الليالي، وصاموا الأيام، وعفوا عن الحرام، وعملوا لله، وجاهدوا في سبيل الله، بوارق السيوف على رءوسهم، فهؤلاء لا يفوت أجرهم عند الله {وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [النساء:١٣].

قال (ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء)، وأما الهالك من أول وهلة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم وصفهم بأوصاف، فقال: (مكردس في النار)، وقال: (منكوس فيها)، وقال:) مكدوس في نار جهنم)، ومن هؤلاء المنافقون، والناس الذين زادت سيئاتهم على حسناتهم، فهؤلاء يسقطون في النار ويعذبون حتى يأتي فرج الله، أما المنافقون فهم في الدرك الأسفل من جهنم.

قال العلماء: المكردس الذي جمعت يداه ورجلاه وألقي إلى موضع.

والمنكوس: المقلوب على رأسه؛ فرأسه إلى أسفل، ورجلاه إلى أعلى في نار جهنم.

والمكدوس هو من تكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فيسقط.

والمكدوش: الذي يساق سوقاً شديداً حتى يوقع فيها.

هؤلاء الذين أوبقتهم أعمالهم.

أما الصنف الثالث؛ الذي يصاب ثم ينجو: فهؤلاء وصفهم بقوله: (مخدوش مكلم)، وفي رواية: (مخدوج به)، وفي رواية: (ومنهم المجازى حتى ينجى) رواه مسلم.

ومعنى ذلك: أن هذا الصنف الثالث تتخطفهم الكلاليب، فتجرح أجسادهم، ثم ينجون بعد ذلك.

ومعنى مخدوشٌ مكلم: خدش الجلد قشره.

ومعنى مخموش: ممزوق، والمخدوش هو المخمش الممزق، والخمش تمزيق الوجه بالأظافير، والمكلم أي: المجروح.

ومخدوجٌ به: من الخداج وهو النقصان؛ ومعنى ذلك: أن كلاليب الصراط والخطاطيف تجرحه وتنهشه يميناً وشمالاً، فتنقص من جسده، ويجرح طيلة الطريق وهو يعبر من أول جهنم إلى آخرها، جراحٌ وخدشٌ وخدج، أي: نقصان ينقص من جسده بحسب ما يسحب الخطاطيف والكلاليب من أجسادهم، فإذا نجوا بعد ذلك يقولون كما مر في الرواية: (الحمد لله الذي نجانا منكِ بعد أن أراناكِ، لقد أعطانا الله ما لم يعطِ أحداً) هذا كلامهم إذا نجوا.