ومن كلامه -رحمه الله- في مسألة السنة التي هي ضد البدعة، والسنة التي أمرنا بالسير عليها والتمسك بها، هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك مباحثها توجد عادة في كتب العقيدة، قال مصنف سيرته -مصنف سيرة ابن هبيرة رحمه الله-: كثيراً ما سمعته يقول: ليس مذهب أحمد إلا الاتباع فقط، فما قال السلف قاله، وما سكتوا عنه سكت عنه، فإنه كان ينكر أن يقال: لفظي بالقرآن مخلوق، لأنه لم يُقَل.
فـ ابن هبيرة رحمه الله حنبلي المذهب، متبع لـ أحمد رحمه الله، لكن ننبه على مسألة مهمة جداً تتعلق بقضية اتباع الأئمة في الفقه، يقول: إن مذهب أحمد ليس إلا الاتباع فقط، أي أن أحمد ما جاء بشيء من عنده، أحمد نظر في كلام السلف -في الآيات والأحاديث أولاً وكلام الصحابة والتابعين- فما قال السلف قاله أحمد، أي: أن مذهب أحمد هو كلام السلف، ولذلك أحياناً يأتي عن أحمد ثلاث روايات في مسألة، مرة يجوز، ومرة يكره، ومرة كذا؛ لأن أحمد رحمه الله كل رواية تأتي عنه إنما يكون قد بناها على نقلٍ عن أحد من السلف، عندما اختلفت النقول عن السلف اختلفت روايات أحمد رحمه الله، وأيضاً هذه طريقة الشيخ/ عبد العزيز بن باز -نفع الله به- المسألة إذا كان هناك أكثر من رأي قوي لأهل العلم، فأحياناً يفتي بهذا وأحياناً يفتي بهذا.
فـ أحمد رحمه الله نظر في كلام أهل العلم، فما أثر عن السلف أفتى به ونقله.
ففهم هذا الشيء في قضية التمذهب شيء في غاية الأهمية؛ لأن بعض الناس يظنون أن منتهى العلم إلى الإمام، والإمام أتى به من عنده، وبالتالي تنقطع الصلة فيما بين هذا المتمذهب وبين النبي عليه الصلاة والسلام وبين الصحابة، لأن منتهى علم الرجل هذا وتقليده واتباعه إنما هو للإمام، لكن إذا عرف أن الإمام مجرد ناقل، وأن الإمام متبع للسلف، معنى ذلك أنني عندما أتبع أحمد أنا في الحقيقة متبع للسلف، وأنا منتمٍ إلى السلف قبل أن أنتمي إلى أحمد، وهذه مسألة في غاية الأهمية، لأن القضية:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[الأنفال:٢٠] وليست أطيعوا فلاناً وفلاناً.
فينبغي أن تُشرح المسألة للمتمذهبين، وأن يكون الارتباط بالمنهج أن يكون الارتباط برجال العلم وبأهل العلم، وليس بفلان معين.