[الصلة بالله تبعث على العمل للإسلام]
عباد الله: إن العمل لا يعظم ولا يندفع الإنسان له -ونتحدث عن عمل الآخرة بالذات- إلا إذا كان للمرء صلة قوية بربه، ولذلك كان العابدون أعظم المندفعين للعمل، لأن صلتهم القوية بالله عز وجل كانت تجعلهم يغتنمون أوقاتهم في العمل للدين.
قال الوليد بن مسلم رحمه الله تعالى: رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه، يذكر الله حتى تطلع الشمس.
وأخبروا عن بعض السلف أنهم كان هذا هديهم، في ذكر الله إلى طلوع الشمس، ثم يقوم بعضهم إلى بعض -بعد الخلوة والعبادة الفردية- يفيضون في ذكر الله تعالى، والتفقه في دينه، قال ضمرة بن ربيعة: حججنا مع الأوزاعي سنة خمسين ومائة، فما رأيته مضطجعاً في المحمل، كان يصلي فإذا غلبه النوم أستند إلى القتب، وكان يحيي الليل صلاة وقرآناً وبكاءً، حتى إن أمه كانت تدخل منزله وتتفقد موضع مصلاه، فتجده رطباً من دموعه في الليل.
قال ابن جريج: صحبت عطاء ثماني عشرة سنة، وكان بعدما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة، فيقرأ مائتي آية من البقرة، وهو قائم لا يزول منه شيء ولا يتحرك فكيف إذاً كان لما كان قوياً؟! وكان الربيع بن خثيم يبكي حتى يبل لحيته من دموعه ثم يقول: أدركنا قوماً كنا في جنبهم لصوصاً.
أي: إذا نسبنا أنفسنا إليهم، وأعمالنا إلى أعمالهم، كنا في جنبهم لصوصاً، وهكذا يقول مع شدة عمله.
أيها الإخوة: إن العمل في النهار يحتاج إلى عبادة بالليل، والعمل في الضحى يحتاج إلى ذكر بعد الفجر، وهكذا إذا كان الإنسان حسن الصلة بالله قوي العبادة، كان ذلك زاداً له في طريق الدعوة، وتحصيل العلم، ونشر الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثم إن من أكثر ما ذبح أولئك الذين يريدون العمل: زوجات غير صالحات، أشغلنهم في أمور الدنيا، وأركبنهم مطاياها، وذهبن بهم في أوديتها، كما قال الإمام مالك رحمه الله: ينطلق أحدهم فيتزوج امرأة قد سمنها أبواها وترفوها، حتى كأنها زبدة، يتزوجها فتأخذ بقلبه، فيقول لها: أي شيء تريدين؟ فتقول: كذا وكذا.
فيأتي به، ثم يقول: أي شيء تريدين؟ فتقول: كذا وكذا.
فيأتي به، فتمرط والله دينه وتمزق، ولو أنه تزوج يتيمة ضعيفة كساها أُجِرَ على ذلك.
إذاً: ينبغي أن يكون إرضاء الله مقدماً على إرضاء الزوجات والأولاد، ولكلٍّ حقٌ يجب القيام به: (إن لربك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، فأعطِ كل ذي حق حقه).
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من العاملين لدينك يا رب العالمين، اللهم اهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم إنا نسألك الرشد في الأمر، والعزيمة على الرشد، ونسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.