ثم في هذا الحديث: بشارة الشخص بالخبر السار، فإذا حصل لإنسان خبر سار، فمن السنة أن تبشره بذلك، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمر أبا موسى أن يبشر هؤلاء الثلاثة.
وفي هذا الحديث أيضاً: محبة الإنسان الخير لأخيه، فإن أبا موسى لما رأى التبشير بالجنة، ماذا تمنى في الحال واللحظة؟ تمنى أن أخاه يأتي الآن ليبشر مع هؤلاء،، ولذلك فإن المسلم يحب لأخيه الشقيق أو لأخيه من أبويه أو من أحدهما الخير، ولا يعلم أحد أعظم منة على أخيه من موسى على هارون، فإنه لا زال يدعو ربه، ويقول:{وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً}[طه:٢٩ - ٣٤] واستجاب الله دعاء موسى: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي}[طه:٢٩] وهذا من إرادة الخير للأخ، وموسى دعا ربه حتى أعطي ما سأل وصار هارون نبياً معه، فلا يعلم أحد أعظم منة من موسى على هارون من شقيق على شقيقه؛ لأن بعض الناس الآن ربما يكون بينه وبين أخيه حقد وحسد وبغضاء، وعداوة وتنافس، ومشاجرات ومخاصمات، وكثير الإخوان اليوم تقطعت بهم الأحوال، وتقطعت بهم العلاقات وعاب بعضهم على بعض مع أنهم أشقاء من رحم واحد، وأعرف حالة من هذه الحالات، مجموعة إخوان فرق بينهم الحال، تنافسوا فيه وتخاصموا عليه في مؤسسة مالية، فصار يلعن بعضهم بعضاً ويسب بعضهم بعضاً، ويداعي بعضهم في المحاكم وعند القضاة، وسيرتهم تلوكها ألسنة الناس، وكل واحد يدعو على الآخر بالفقر وبالشلل وبالمرض وباللعن، وواحد ذهب في رمضان هذا إلى مكة عمرة ليدعو على أخيه عند باب الكعبة، ورجع وقال: ودعوت عليه عند باب الكعبة، يذهب مشواراً إلى مكة في رمضان لعبادة جليلة وهي العمرة التي تعدل حجة ليدعو عند باب الكعبة على أخيه وشقيقه من أبيه وأمه، وما سبب ذلك إلا الأموال التي فرقت بينهم، وهذا أبو موسى الأشعري يحترق من الداخل ويغلي، ويقول: وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، وقلت: إن يرد الله بفلان خيراً يأت به، ويريده أن يأتي، ويتمنى أن يأتي ليدرك أخاه بشارة يسعد بها يوم الدين.
لكن هؤلاء يتقاطعون يتدابرون، ويتهاجرون ويتحاسدون ويتباغضون، مع أنهم إخوة وأشقاء، فنسأل الله العافية، والله يا إخوان إن هذه من كبار المصائب، أن يتفكك البيت الواحد ويتشقق ويصبح أهله وأعضاؤه وأفراده أعداءً.