وكذلك فإن من ورعه، أنه لم يكن يلبس ثوباً فيه الإِبْرِيْسِم على القطن -والإِبْرِيْسِم هو: الحرير- فإن شك في ماهية الشيء المصنوع منه هذا القميص سل طاقاته ونظر، هل القطن أكثر أم الإِبْرِيْسْم؟ هل الحرير أكثر أم القطن؟ فإن استوت أعداد الخيوط في نسج هذا القميص لم يلبسه.
وفي بعض مجالسه قال له بعض الفقهاء الحنابلة: يا مولانا! إذا استويا، جاز لبسه في أحد الوجهين عن أصحابنا، فقال: أنا لا آخذ إلا بالأحوط، أتبحث لي على قول عند أصحابكم، أو عند أصحابنا؟! وكذلك فإنه كان رحمه الله تعالى عاملاً على تقرير قواعد الدين والنظر في مصالح الإسلام والمسلمين.
كان فاضلاً ذا رأي صائب وسريرة صالحة حتى شكره الخاص والعام.
- كان عفيفاً عن أموال المسلمين وأموال الدولة وبيت المال.
- كان كثير البر والمعروف، وقراءة القرآن، والصلاة، والصيام.
- كان جميل المظهر، شديد التظاهر بالسنة، ومن كثرة ميله إلى السنة أنه اجتاز في سوق بغداد وهو الوزير، فقال:(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير).
فكان يجهر بالسنة، ويجهر بالأذكار في الأماكن المختلفة.
وكذلك يضاف إلى تحريه في الأمور وشدة الورع: أنه في ذات مرة أُحْضِر له كتاب من وقف المدرسة النظامية التي أسسها النظام، وهي مدرسة خيرية كان يُجْعَل لها أوقاف من الأوقاف يُنْفق على الطلبة والمدرسين في هذه المدرسة، وتدرس فيها العلوم المختلفة، وكان هذا النظام المعمول به في أنحاء العالم الإسلامي، تُخَرِّج طلاباً أقوى من طلاب الجامعات، أحضر للوزير ابن هبيرة كتاب أوقف على المدرسة النظامية ليُقرأ فيه، فقال: قد بلغني أن الواقف شَرَط في الكتاب الوقف بأن لا يُخْرَج شيء من كتب الوقف عن المدرسة، ثم أمر برده.
فقيل له: إن هذا شيء ما تحققناه، أي: لم نتأكد منه.
قال: أليس قد قيل؟ بَلَغَنا ذلك يكفي، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل عندما سأله في موضوع الرضاعة:(أليس قد قيل؟) وهذا يبين أهمية التحري، والأخذ بالأحوط، والابتعاد عن الشبهات، فقال: أليس قد قيل؟ ولم يمكنهم من قراءته، وحثهم على إعادته.
وحصل كذلك من تواضعه وإيثاره للفقراء أشياء كثيرة: حتى أنه كان كثيراً ما يقول لبعض الفقراء وهو يخاطبهم في المجلس أمام الناس، يقول: أنت أخي.