من الأمور المهمة والمهمة جداً لطالب العلم حتى وللعالم، وكان يفعله ابن جرير رحمه الله هو تنظيم الوقت، فكان يجمع بين التدريس والتصنيف والنوم والعبادة، فكان ينام قيلولة الظهر قبل الظهر، ويصلي الظهر ثم يبدأ بالتصنيف إلى العصر، ثم يخرج فيصلي العصر، ويجلس في المسجد يدرس القرآن، إلى المغرب، ثم يجلس للفقه والدرس والمذاكرة بين يديه إلى صلاة العشاء الآخرة، ثم يدخل إلى منزله، فإذا دخل منزله بعد المجلس، فلا يسمح لأحدٍ بالدخول عليه، لاشتغاله بالتصنيف إلا في أمرٍ مهم، مع المحافظة على حزبه من القرآن الكريم، وكان يقرأ كل ليلة ربعاً أو حضاً وافراً.
قال ابن كامل: وقد قسَّم ليله ونهاره في مصلحة نفسه ودينه والخلق كما وفقه الله عز وجل، فأنت إذا نظرت إلى تنظيم الوقت تجده أنه يعتمد على الصلوات، وهذه ميزة في الصلوات الخمس، والله سبحانه وتعالى لما شرع لنا الصلوات كان من ميزتها تنظيم الوقت؛ لأنه يصبح عندك محطات في اليوم والليلة، بين الظهر إلى العصر، من العصر إلى المغرب، من المغرب إلى العشاء، بعد العشاء، قبل الفجر، بعد الفجر، الصلوات محطات تعين على تنظيم الوقت، وكان العلماء رحمهم الله يستغلون ذلك.
فهذا أبو جعفر رحمه الله عنده قيلولة وراحة بدن، وإن كان لا يكثر من ذلك، وعنده تدريس، وعنده تصنيف، وعنده عبادة، فتقسيمه لوقته من أروع ما يكون، ما كان رحمه الله يفتح بابه لكل طارق، ويجعل وقته نهباً لكل من يأتي؛ لأن بعض الشباب الآن مثلاً وقته غير محدد في شيء، فهو ملك للآخرين، فقد يضيع في أي شيء، في لهو أو في نوم، فإذا طُرِقَ عليه الباب؛ خرج معه، إذا أتاه شخص في أي وقت تحدث معه، وأسهب وأطال وذهب الوقت.
إن الذي يحافظ على وقته يحتاج إلى شيء من الحزم، وذلك ليس من الكبر والتطاول على عباد الله، ولا سوء الأدب مع الخلق وردهم، أو الصلف معهم، لا.
وإنما شيء من الحزم، هذا عامل مهم جداً في تنظيم الوقت.
يقول: وكان إذا دخل منزله بعد المجلس، فلا يسمح لأحد بالدخول عليه لاشتغاله بالتصنيف إلا في أمر مهم.
هل التصنيف والتدريس كانا يمنعانه من العبادة؟ كلا، كان عنده وقت للعبادة وقيام الليل وقراءة حزب من القرآن الكريم يومياً، وهذا عامل مهم جداً؛ لأن بعض الناس ربما يكون له شيء من الجلد في القراءة وطلب العلم، لكن يقسو قلبه بسبب ضعف الصلة بالله تعالى.
فالمهم كما يتضح من برنامج أبي جعفر الطبري اليومي هناك موازنة وتوزيع الأوقات على المهمات، وتوزيع الأوقات على الواجبات، والأخذ من كل شيء بشيء ونصيب، فيعمل في جميع مجالات الخير؛ تدريس، نفع الخلق، حق الطلاب الموجودين، التصنيف للأجيال المستقبلة، العبادة لحظ نفسه وعلاقته بربه، والنوم لحظ جسده، ترتيب رائع.