أتقن الطبري رحمه الله المذاهب، وليس فقط مذهب الشافعي كما يعدونه شافعياً ويذكرونه في كتب طبقات الشافعية، لكنه رحمه الله تعالى لم يحصر همته في مذهب معين، ويمكن أن يقال: إنه مجتهد، وصل إلى رتبة الاجتهاد وغير متقيد بمذهب معين، وقد تفقه أكثر شيء على فقه الشافعي، لكنه مجتهد لا يحصره مذهب معين، وشيوخه في الفقه لا يحصرون، فقد درس المذهب الشافعي والحنفي والظاهري والمالكي من مذاهب الفقهاء والأئمة وبعض الذين اندثرت مذاهبهم كذلك كان رحمه الله تعالى.
درس المذاهب جميعها في الفقه، وفقه الشافعي على الخصوص، واتخذ مذهباً له أفتى به في بغداد عشر سنين، وأحصى المسائل واستجلى الغوامض، وأمعن في التثقيف والتدقيق، ولم يلبث أن أدى به البحث والاجتهاد إلى مذهب انفرد به وأودعه في كتبه المطولة والمختصرة.
إذاً: تطور أمره إلى أن صار له مذهب مستقل، لا يمكن أن يقال: إنه شافعي تماماً، وإنما هو مجتهد يأخذ ما أدى إليه اجتهاده، ويمكن أن يقال: كان هناك مذهب يقال له: المذهب الجريري نسبة إلى ابن جرير الطبري؛ لأنه كان في النهاية صاحب مذهب مستقل، وله أصوله وقناعاته في أصول الفقه التي أقام عليها هذا المذهب.