[زيادة التفريعات في المسائل]
انتشر في بعض العصُور الخصومات والجدالات، وتفريع الفروع الفقهية والخصومات وافتراض الاحتمالات فيها: فلو كان كذا ولو كان كذا، ولو كان كذا، وتجد هذا في كثير من كتب الفروع المذهبية، ويتباهى بها بعض المتعصبين للمذاهب.
فيقولون: أئمتنا رحمهم الله ما تركوا شيئاً، بحثوا كل شيء، وشققوا المسائل، وفرعوا التفريعات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد كره لكم قيل وقال) والتشقيق والتفريع في الكلام وفي هذه المسائل داخل في قيل وقال.
ويذكرون المسائل التي لا تحصل، ووجد في بعض كتب فروع الشافعية: لو صلى في أرجوحة معلقة بين السماء والأرض، ففرضوها مع أنها غير موجودة، أرجوحة معلقة بين السماء والأرض، ثم قالوا:
الجواب
لا يجوز، لأنه لا بد أن يصلي على شيء مستقر متصل بالأرض، وجاءت الفروع والنتيجة أنه لا يجوز، وسأل الناس عن حكم الصلاة في الطائرة بعد اختراع الطائرة، فقيض الله من هذه الأمة من يبين الحكم بعد أن وجدت المسألة وهنا يحصل التوفيق.
ولذلك فإن بعض السلف يرفض أن يجيب على المسائل الافتراضية، ويقول: دعه حتى يكون، لماذا؟ لأنه إذا كان وإذا حصل بذل أهل العلم وسعهم عند ذلك واجتهادهم؛ لأن المسألة صارت موجودة، فيأتي التوفيق من الله عز وجل.
ولما صارت القضية الآن وتنادى أهل العلم لبحث الصلاة في الطائرة، وقالوا: إن الصلاة في الطائرة جائزة، إذا احتاج إلى ذلك فلا حرج، وصلاته صحيحة، وما خرجوا بالنتيجة التي خرج بها ذلك المتمذهب الذي فرَّع الفروع الدقيقة ومنها هذا، وخرج بتلك النتيجة، على مسألة افتراضية لم تكن واقعة.
قال: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يبعث نبياً إلا مبلغاً، وإن تشقيق الكلام من الشيطان) وتشقيق الكلام مذموم، وكذلك فإنه قد ورد النهي عن كثرة المسائل وعن الأغلوطات.
والأغلوطات: هي شرار المسائل التي يُغالط فيها العلماء؛ ليزلوا بذلك، فيأتي شخص يتحذلق في سؤال -كما فعل بعضهم، وبعض المسلمين نقلوه عن بعض النصارى- هل يستطع الله أن يخلق إلهاً مثله؟ فأنت انظر إلى السؤال لتعرف كيف يأتون بالأغلوطات التي ورد النهي عنها؟ هذا السؤال غلط أصلاً، لأنه إذا خلق إلهاً فالإله لا بد ألا يكون له بداية، وكيف يكون إلهاً وله بداية؟ فالسؤال غير وارد، وهل يوجد جواب صحيح على سؤال خطأ؟ صحح سؤالك حتى نأتي لك بالجواب.
هذه قضية الأغلوطات والفرضيات التي يريدون أن يزلوا بها العلماء، ويتقعرون في الألفاظ والمسائل والفرضيات للجدال، فصارت القضية قضية جدال، أوقات تضيع في الجدل، افتراض أشياء ثم الجدال بناءً عليها.